-A +A
محمد أحمد الحساني
يحلو لبعض الكتاب والمثقفين ورجال المجتمع تذكر أنهم عندما كانوا على مقاعد الدراسة فإن الواحد منهم يذهب بعد «الصَّرفة» من المدرسة إلى دكان أو ورشة أو مطبخ أو مصنع والده لمساعدته في مهنته، بل إن بعضهم كان يفعل ذلك وهو على مقاعد الدراسة الجامعية، حتى أن طالب مرحلة ثانوية أصبح فيما بعد وزيراً، كان إذا ما عاد من مدرسته فإنه يساعد والده الذي يعمل في السقاية لبيوت الحي، وإنه ظل يفعل ذلك حسب رواية أولاد حارته بعد أن أصبح يدرس في جامعة بالرياض، خلال وجوده في العطل مع أسرته المكية.

وكان المتحدثون يشعرون بالفخر لأنهم من أسر كادحة، ولأنهم تعلموا من خلال مشاركة آبائهم في مهنهم مهناً جعلتهم يعتمدون على أنفسهم في مسيرة الحياة، لينبري بعضهم على شباب هذه الأيام لأنه لم يفعل مثل ما فعلوه من قبل، وأنهم ضيعوا مهن الآباء والأجداد التي كانت تجعلهم عوائل مستورة وربما مسيورة، ولكن هؤلاء المفاخرين بمجدهم المهني القابر نسوا أو تناسوا أمراً مهماً وهو أنهم أنفسهم لم يحافظوا على المهن التي يزعمون أنهم كانوا يساعدون فيها آباءهم، لأنهم عندما كانوا قبل عقود صغاراً أو شباناً، فإن الواحد منهم إذا خرج من المدرسة وجد والده في الدكان أو الورشة أو المخبز أو المصنع أو محل الخياطة، أما الآن فلو أن شاباً صغيراً أراد فعل ذلك فإنه سيجد أن جميع المؤسسات التجارية الصغيرة من ورش سيارات وبقالات ومحلات صيانة ونظافة وحلاقة وديكور ونجارة وخياطة يديرها وافدون، وإن كان السجل التجاري باسم مواطن ليس له إلا «الجُعل» الشهري، الذي يقدمه له الوافد باعتباره صاحب اليد العليا، بل إن المزارعين والرعاة تركوا الزراعة وجلبوا مزارعين ورعاة، وأصبح الواحد منهم يتمشى بسيارته ويزجر الراعي بقوله: الحق البعارين!


فإذا كان الآباء في الوقت الحالي، الذين يفاخرون بأنهم في صغرهم شاركوا آباءهم في تحمل مسؤولية المهن التي كان يقوم بها المواطن، قد أصبحوا موظفين أو تنابلة متسترين، فكيف يلام الجيل الحالي على أنه لا يذهب لتعلم مهنة أو صنعة أبيه أو جده، ولو أنه ذهب إلى محل يرفع اسم والده المتستر وقال للوافد صاحب المال إنه يريد أن يعمل في محل والده فهل سيقابل بغير السخرية من الوافد، الذي سيربت على كتفيه قائلاً له: هذا كله حق أنا.. امشِ على طول !

* كاتب سعودي