-A +A
أسامة يماني
عالمنا العربي يعيش صراعاً مفهوماً وغير مفهوم تختلط فيه الأوراق وتتداخل فيه الأدوار يصعب معه تحديد الإستراتيجيات لعدم وجودها وكذلك المصالح والمبتغى والطموحات والأهداف من السياسات الخاصة بعالمنا في حين أن مصالح وأهداف وأغراض القوى الأخرى الإقليمية مثل إسرائيل وإيران وتركيا معروفة ومقروءة ويمكن التنبؤ بها ومعرفة مسارها بشكل كبير، بعكس السياسات العربية التي لا سياسات إستراتيجية لها.

يرجع البعض السبب في عدم وجود سياسات إستراتيجية مشتركة جماعية أو حتى إقليمية للدول العربية إلى الأيديولوجيات التي تفرق العالم العربي؛ والحقيقة أن الآراء تتعدد في هذا الصدد بسبب تعدد الأسباب التي تجعل هذه الظاهرة أو السمة أمرا مشاهدا وملموسا؛ فالتناحر والاختلاف والفرقة حتى الاقتتال شكل من أشكال الصراع العربي، الذي حل محل التعاون المشترك وحل محل الإستراتيجيات العربية.


ولا شك أن السياسة فعل وكما هو معلوم أن «لكل فعل محددات وتجليات. المحددات قد تكون دوافع داخلية بيولوجية أو سيكلوجية، شعورية أو لا شعورية، وقد تكون تنبيهات أو تأثيرات خارجية. أما التجليات فهي المظاهر والكيفيات التي يتحقق الفعل فيها أو من خلالها أو بواسطتها». ومن خلال هذا المفهوم نجد أن محددات الفعل هي أقرب لردة الفعل عن الفعل المؤثر الخلاق، والفرق بين ردة الفعل والفعل كبير جداً وشاسع كالفرق بين المنتج والمستهلك أو بين المحرك وبين ما ينتجه المحرك من غازات أو فعل حركة الفرق كبير بين الفعل الذي يصنع الحدث وبين من يشاهد الحدث.

الإستراتيجية تستطيع أن تخلق الحدث وتتجاوز السيكولوجية، (النفسية) اللا شعورية أو الشعورية من خلال التخطيط والتدبر والتفكر والنظر في البدائل المتاحة وغير المتاحة والتنبؤ بالأحداث والمجريات والسيناريوهات ووضع رؤية وخريطة طريق للوصول إلى الأهداف والغايات المبتغاة.

السؤال الذي يطرح هل عالمنا العربي قادر على العمل المشترك، وهل هو قادر على تحديد الأولويات بعيداً عن مفهوم القبيلة والغنيمة والرِّدة والفتنة والأيديولوجيات والبعد عن العمل الفردي إلى العمل الجماعي وتغليب المصالح الدائمة على المصالح الوقتية والآنيّة والمنافع الشخصية.

العمل المشترك والجماعي يتطلب الإيمان والاقتناع بالعمل المؤسساتي وليس الفردي والانفتاح على الآخر وقبول الاختلاف وتوظيف التباينات لصالح المنظومة التعاونية. وحتى نصل لهذا فإن الحدث سيكون من صنع القوى الإقليمية الأخرى.. والله المستعان.

* مستشار قانوني