-A +A
طارق فدعق
يعكس اختيار الصفات المستخدمة للسب المستويات الإدراكية، والحضارية، بل وحتى الإبداعية للمجتمعات المختلفة. والعجيب أن في بلد واحد تجد التباين الإقليمي الكبير في استخدام الألفاظ الجارحة بين منطقة وأخرى. وللتشبيهات بالحيوانات الدور الأكبر في مصطلحات الشتائم حول العالم: وسبحان الله أن التركيز الأكبر هو على الكلب، والحمار، أعزكم الله، اللذين يحتلان حصة الأسد في لغة التجريح.

وبصراحة، هناك بعض المخلوقات الأخرى التي تستحق أن تدرج في مصطلحات السب. ومنها البط، وتحديدا الذكور منها وإليكم التعليل: تتمتع الطيور بالعديد من الخصال الرائعة ومنها الجمال. وينعكس جمالها في أشكالها، وألوانها، وهيكلها الرشيق المتألق في عالم الحيوان. وتتمتع أيضا بقدراتها على مقاومة الجاذبية بكل سهولة. وللعلم فهي من أحفاد الديناصورات، وهذه الكلمة اللاتينية معناها «الوزغة البشعة». وبالنسبة لي شخصيا، كانت للبط مكانة خاصة نظرا لقدراتها المتميزة في عالم الطيران. من النادر أن تجد ما يتفوق عليه في طيران الأسراب الجماعية المنتظمة. ويتميز أيضا بلياقته التي تنعكس في قدراته على الطيران لفترات طويلة بدون انقطاع، وفي سرعته العالية نسبيا والتي تصل إلى نحو 80 كيلو مترا في الساعة. وهذه اللياقة وقدرات السرعة المتفوقة تنعكس في لحوم البط فهي داكنة اللون. فضلا لاحظ أن لحوم الطيور التي لا تستخدم أجنحتها للطيران المستمر مثل صدر الدجاج تكون عادة بيضاء اللون. والسبب هو أن في العضلات التي تحتاج إلى الحركة المستمرة كما هو الحال في الطيران مثلا، هناك حاجة للتزود المستمر بالأوكسجين، ويتم ذلك من خلال التزود ببروتين يسمح بـ«القبض» على ذرات الأوكسجين واسمه «مايو جلوبين» على وزن «ما له جبين». الشاهد أن هذا الطير كان من المخلوقات التي كنت معجبا بها إلى أن اكتشفت بعض الخصائص العجيبة، وبعض السلوكيات المفجعة التي تجعل البط مؤهلا ليصبح شتيمة من العيار الثقيل. لو راقبت سلوكيات ذكور البط لجذب الإناث ستجد أنها عجيبة. ولكي نكون أكثر دقة فهي في قمة «العبط». ينزل إلى الماء ويقوس ظهره ليسكب الماء خلفه أمام الإناث. حركة لا تتطلب أي شطارة، ولا مهارة مقارنة بحركات ذكور الطيور الأخرى لجذب الإناث. وهنا أعترف بأنني لست مؤهلا للحكم على سلوكيات البط من منظورها، ولكن أعتقد أن شهادتي ليست مجروحة فهي لا تمثل رأيي الشخصي فحسب، فحتى إناث البط لا تعطي تلك الحركات اهتماما. وهناك المزيد... فحتى لو تم التوافق على التزاوج فطبيعة بيئة معيشة البط عادة تكون غنية بالأعشاب والغذاء، وبالتالي فهي لا تتطلب مهارات دفاعية من الذكور لحماية أراضيهم. وهنا تظهر فنون «التنبلة» و«التسكع» و«السلتحة» من قبل ذكور البط بعد التزاوج. ويا ليتها تنتهي عند هذا الحد، فبعض الذكور يقوم بالهجوم على الإناث لاغتصابها، وبعض تلك الممارسات البشعة العنيفة تشترك فيها مجموعات من الذكور وتتسبب في أذية الإناث أو حتى في وفاتها.


أمنية

توجد مخلوقات أخرى غير الكلب والحمار، أعزكم الله، جديرة بالانضمام إلى خانة الشتائم ومنها البط. أتمنى أن نستكشف المزيد من تلك الطرائف، بشرط ألّا تكون لأذية وتجريح البشر. وهناك المزيد من المعلومات التي سأقدمها في هذا الموضوع في مقالات قادمة بمشيئة الله. وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي