-A +A
عبده خال
قبل أيام كتبت عن أهمية بناء الإنسان، وكيف سقط هذا البناء خلال فترات زمنية متقاربة أو متباعدة من عمر الطفرات الاقتصادية التي مرت بنا.

إن أي دولة لا تفاخر إلا بطاقتها البشرية المؤهلة لأن تأخذ دورا خلاقا في الحضارة الإنسانية، والأدوار الخلاقة لا تحدث فجأة بل من خلال المعرفة، والمعرفة متشعبة تشعب الحقول الثقافية، إلا أن أهم تلك الحقول هي بناء الإنسان بناء يستوعب المعطيات الذاتية سواء كانت معرفية أو تقنية..


وأي مجتمع لا يستطيع استغلال قدراته سوف يظل مجتمعا يحتاج لمن يوجهه مثله مثل القاصر الذي يعتمد على توجيهات الكفيل..

ومع ظهور عدة مسميات معنية بالشأن الثقافي المعرفي، إلا أن الخارطة لم تبن توجهها (هل هو شكلي أم جوهري)، ولم تستطع الهيئة ثم الوزارة إظهار أهمية بناء الإنسان المحلي وفق معطيات الزمن والحاجة.. وحدث تداخل عنيف بينها وبين هيئة الترفيه حتى ظن الكثيرون أنه تم التعامل مع الثقافة على أنها ترفيه، وهناك بون شاسع، فإذا كان المجتمع بني على أسس ثقافية عندئذ يستطيع أن يمارس جميع أنشطة الحياة بوعي وإدراك، وما يحدث الآن تقديم الحصان على العربة.

وثمة جزئية في غاية الخطورة، إن لم يتم التنبه لها (خاصة في الجانب المعرفي والثقافي)، إذ يقال إن المسيرين للحياة الثقافية يجب أن يتم من خلال الشباب (فالحكومة شابة)، مع وجوب استبعاد المخضرمين لاختلاف المعطيات، وهذه الحجة يمكن أن تسير في أي حقل بينما في الجانب المعرفي والثقافي لا تسير، لأن بث الوعى والإدراك بماهية الأشياء يأتي من خلال التراكم المعرفي، فهماً لحركية الزمن، وهذه المعرفة لا يتقنها الشاب الذي لا زال في طور الترقي.

وإذا تم الإصرار على انتهاج ما هو حادث في الثقافة فإننا سوف نسقط بناء الإنسان بطريقة جديدة، والكارثة أن يتم هذا الإسقاط مرة لعدم التنبه وثانية لسلوك الطريق الخطأ.