-A +A
أحمد عجب
حين قاد الفضول صديقي، وأصر أن يرافقني لمحكمة الأحوال الشخصية (بحي الورود)، كان يتوقع كأسوأ تقدير أن يرى مشادة بين طرفي الدعوى، هذا إن سمح له القاضي بالدخول إنفاذاً لمبدأ (علانية الجلسات)، لكننا ما إن شرفنا على مبنى المحكمة حتى هاله منظر تراكم السيارات وتكدس النساء فصرخ قائلاً (يا الله.. هذي محكمة والا سوق نسائي يا بوعجب) فقلت له: ما بعد شفت شيء الثقل قدام، أنت جمد قلبك بس وتعال وراية، وإلا كان جلست في بيتكم عند أم العيال !؟

لم يعد صديقي ذلك الإنسان البشوش الذي يضحك ويطلق النكات طوال الوقت، لقد بدا كئيباً ومنكسراً، خاصة بعد أن رأى الزحام الشديد في كل دائرة قضائية، وسمع تلك المرأة وهي تقول للموظف (عجل علينا يا أخي وراية كومة عيال لوحدهم بالبيت)، قبل أن نلتقي بالدرج بطفلتين تلعبان بالجوال ثم يسترقن النظر باتجاه أمهن المقهورة التي تنتظر دورها، وما بينها نسمع مكالمة بالصدفة، أو حوارا حادا بين زوجين أمام طفلهما حول مشكلة النفقة، أو الزيارة، أو الحضانة، بعد استحالة دوام العشرة بينهما !


في اعتقادي أن ذلك الجو المشحون الذي يعيشه الطفل عند اصطحاب أمه له مجبرة لمحكمة الأحوال الشخصية، هو أسوأ تعنيف يمكن أن يتعرض له في حياته، فالتعنيف الجسدي سيزول أثره بعد بضعة أيام باتباع الوصفة الطبية، لكن العنف المعنوي الممارس ضده من غير وعي بأروقة المحكمة، سيظل أثره مدى العمر، ولا أعرف حقيقة لماذا لا تقوم وحدة الحماية بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية بزيارة ميدانية إلى هناك للوقوف على حال أولئك الأطفال، أم أنها اعتادت الجلوس عند الهاتف المجاني (1919) وأمام الهاشتاقات لاستقبال ما تراه من الحالات الجاهزة التي وقف عليها المتطوعون ومن ثم التحرك للقبض على الفاعل !؟

في أغلب الأسواق التجارية التي نزورها نرى ركنا للطفل السعيد مجهزا بالمربيات والألعاب المختلفة، يمكن للوالدين وضع أطفالهما فيه حتى ينتهيا من التسوق بأريحية، فلماذا لا توفر وحدة الحماية مثل هذه المواقع الآمنة للأطفال بجوار محكمة الأحوال الشخصية لتحميهم من الأمراض النفسية التي قد تصيبهم، أم أن شريعة وحدة الحماية تجرم العنف المادي وتجيز العنف المعنوي ؟!

* كاتب سعودي

ajib2013@

ajib2013@yahoo.com