-A +A
محمد مفتي
يجد المتتبع للكثير من الهجمات التي تشنها بعض الدوائر الإعلامية ضد المملكة شرقاً وغرباً الكثير من التناقضات البالغة، ولا سيما لو مرت فترة زمنية طويلة نسبياً بين كل هجمة إعلامية وأخرى، بل يجد الكثير منها معارضاً لكل ما يتم إقراره في المملكة سواء بالسلب أو بالإيجاب، ولطالما اعتدنا الكثير من تلك الهجمات الإعلامية المنظمة على مدار الأعوام الماضية ضد سياسة المملكة إزاء الإصلاحات المستهدفة فيها، وخاصة على الصعيد الاجتماعي، والتي يحتاج أغلبها بالفعل للتأني والدراسة المستفيضة قبل الشروع في تنفيذها.

تتسم التغيرات الاجتماعية بصورة عامة بالبطء النسبي وتتطلب دوام التأني واتخاذ الكثير من الحذر والحيطة، غير أن عالمنا اليوم غدا متغيرا بسرعة متزايدة يوماً بعد يوم، كما أن بعض الأمور في المملكة كانت بحاجة لإصلاح ضروري وسريع لمواكبة تلك التغيرات المتلاحقة، وذلك حتى لا يتقدم الجميع ونظل نحن في مؤخرة الركاب، وهو الأمر الذي استلزم وجود قيادة شابة جسورة كالأمير محمد بن سلمان تستطيع مسايرة هذا التغير بعقلية منفتحة وإدراك واعٍ دون أن تتخلى عن ثوابت المجتمع ونظمه وتقاليده.


إن قرار السماح للمرأة بالقيادة يعد واحداً من أهم تلك القرارت بامتياز، وهو القرار الذي دخل حيز التنفيذ بالفعل يوم 10 شوال الماضي، وسيبقى يوماً تاريخياً في ذاكرة المملكة، عبرنا من خلاله من مرحلة إلى مرحلة مختلفة تماماً في الكثير من سماتها وخصائصها وملامحها وطبائعها، ومن المؤكد أن لكل مرحلة تغيير بعض التداعيات السلبية غير المقصودة أو المتعمدة، فنحن لسنا مجتمعاً من الملائكة، وحتى تستقر تلك الخطوة التاريخية في شكل ظاهرة مستدامة لابد من تدعيمها بالقرارات والإجراءات السليمة، ومن أهمها تدريب السائقات على نحو جيد قبل أن يتم السماح لهن بالحصول على رخص القيادة، فالسماح للنساء بالقيادة لا يعني بأي صورة من الصور التخلي عن القواعد المهنية الأساسية لعملية القيادة، وأهمها بدون شك التدريب الكافي للحصول على رخص القيادة.

ولكن في خضم تلك التجربة الإيجابية والمميزة نجد بعض الدوائر الإعلامية الخارجية المغرضة والمشبوهة التي طالما وجهت سهام نقدها للمملكة لعدم سماحها للنساء بالقيادة في السابق، نجدها تحاول تصوير الأمور في المملكة وكأن قرار السماح للمرأة بالقيادة أمر لا يزال مرفوض اجتماعياً، وهي تسعى للترويج لتلك الفكرة بكافة الطرق الممكنة، فمن الطبيعي أن قرار السماح للمرأة بالقيادة لأول مرة منذ تأسيس المملكة لن يظهر أثره بين ليلة وضحاها لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال ارتباط الكثير من الأسر بعقود عمل مع السائقين، ومثل هذه التغيرات تحتاج لفترة زمنية طويلة حتى تؤتي ثمارها على النحو الإيجابي المطلوب.

كما تسعى بعض الصحف المشبوهة -بصورة مثيرة للسخرية- للتقليل من شأن المخرجات الإيجابية لتجربة قيادة المرأة من خلال الإصرار على إظهار بعض السلبيات المؤقتة -والمصاحبة لكل تجربة جديدة- وتكبيرها وتضخيمها، ومن المعلوم أن مثل هذه الصحافة الصفراء لا تبدأ هجماتها المنظمة من فراغ، بل من خلال مخططات مدروسة تديرها مخابرات دول، ونصيحتنا لهذه الدول أن تعتني بشؤونها الخاصة وتهتم بشعوبها وبمطالبهم، ولا تشغل نفسها بقضايانا الخاصة والداخلية، فنحن من يعيش الواقع، كما أننا الأدرى من الجميع بشؤون دنيانا.

* كاتب سعودي

mohammed@dr-mufti.com