-A +A
مها الشهري
عند النظر إلى دور الخطاب النخبوي وخصوصاً في المجال الفكري الروحي، لا يلاحظ أنه يختلف عن نمط الثقافة العامة بشيء سوى شكل الدور الذي تؤديه عند البعض، بل إنها تعاني من العيوب ذاتها في أكثر المواضع وتحابي تلك العيوب أيضاً، أي أنها لا تصنع الثقافة ولا تغير فيها وإنما تتماشى مع الجماهير على نمط المجاملة والتملق، ويمكن وصفها على نحو الصناعة الثقافية التي تحقق مصالح المنسجمين مع مكاسبهم.

يعول أكثر الناس مشكلاتهم في الغالب إلى سوء حظوظهم أو نتيجة لمشكلات أخلاقية وقعوا فيها، حين لا يبصرون الأسباب الحقيقية التي جعلتهم يعيشون في تلك المآسي، فينظرون إليها كجزء من أقدارهم المسلم بها، وبالتالي انقلبت «فلسفة الدعاء» من طريقة يكتسب بها الناس قوتهم من الله؛ إلى وسيلة ترسخ ضعف الإنسان وعجزه واستسلامه لأوضاعه مهما كانت بائسة، حينها يصل الإنسان إلى حد يرى فيه بأن المرض مثلاً؛ لا يخرج عن دائرة حظه السيئ ونتيجة لعثراته الأخلاقية، ما يجعله مضطراً للانضواء تحت حالة تستبعده عن التوافق النفسي والاجتماعي مع الحياة ومن هم حوله، أصبح الإنسان يطلب المساعدة على طريقة الضعيف والعاجز، قليل الصلة مع خالقه في الأوقات التي يعيش فيها مطمئناً، برغم أن «الدين» هو محور التعبير الأكثر بروزاً في أطروحات الحراك الثقافي والفكري.


هناك وجود دائم لفلسفات الصلاح والفساد، والتحفيز للتمتع بالقوة الجسدية والنفسية والاستمتاع بالحياة ومقاومة المشكلات في مختلف الثقافات، حتى وإن كانت بعض تلك المناهج الروحانية لا تفرض نمطاً لمصدر الإلهام أنها تحفز ارتباط الإنسان بمصدره الذي يؤمن به على طريقة تشحذ الهمة وتطور فكر الإنسان ومعرفته نحو وجوده، كذلك هو الأمر في النصوص الروحانية، فإن كان البؤس موجوداً على قبيل ضعف الخدمات التي يتلقاها المواطن البسيط، فتأثير ثقافة النخب أشد بأساً حين جعلت الارتباط باللحظ مصدراً للدروشة وضعف الحال وأمنيات الآخرة دون الدنيا على نقيض العنف الذي يؤخذ على خلفية أخرى، لكن العبرة في هذه المسألة هي المحك الذي يقع بين المسؤولية في تبصير الناس بشؤون دينهم ودنياهم والهيمنة عليهم لتحقيق التبعية من الضلال.