-A +A
حمود أبو طالب
ليس جديدا على قصر الصفا في مكة المكرمة أن يحاول بصدق وإخلاص منزه عن الأجندات رأب الصدع بين الأشقاء والأصدقاء في الدول العربية والإسلامية، وليس غريبا عليه أن يبادر في أيام فضيلة وليال مباركة خلال شهر رمضان الكريم أن يحيط بالخلافات وينزع فتيل الاحتقانات ويهب إلى تقديم العون لمن يحتاجه من إخوتنا في العروبة والدين، لكن المشكلة في بعض من لم يراعوا حرمة البيت العتيق ولا صدق النوايا ولا إخلاص العمل السعودي الذي لا يرجو جزاء ولا شكورا لأنه ينطلق من استشعار الواجب ونخوة الأخوة ومروءة التقدير للأواصر. ولكم حلف البعض من قصر الصفا أمام بيت الله لكنهم فجروا وخانوا وتنكروا، لكن المملكة لا تأبه لهؤلاء لأنها تقوم بواجبها فحسب، ولأنها تعرف أن هناك قادة وشعوبا وأوطانا نبيلة تستحق المؤازرة كما هو الحال بالنسبة للأردن الشقيق.

عانى الأردن كثيرا من خونة القضية الفلسطينية بل خونة القضايا العربية بإجمالها من مرتزقة ونفايات أرصفة وشعاراتيين فارغين، تآمروا عليه كثيراً وأرادوا إسقاطه كثيراً، منذ زمن بعيد إلى بدء تنفيذ ما يسمى بالربيع العربي، كان الأردن هدفاً إستراتيجيا كنظام ملكي ودولة تحد دولة ملكية أخرى هي درة التاج التي يسعى المتآمرون لانتزاعها، لكن الأردن بحكمة دولته ووعي شعبه تجاوز المرحلة الحرجة وصمد واستمر كيانا قويا سياسيا، لكنه تعب كثيراً اقتصاديا لأسباب غير خافية على أحد.


وفي جانب آخر حاول المرتزقة وعملاء الأجندات الأجنبية ضرب إسفين بين المملكة العربية السعودية والمملكة الأردنية الهاشمية بمحاولة توظيف تفاصيل تأريخية ماضية عند تأسيس المملكة وانتهاء الحكم الهاشمي للحجاز، حاولوا ذلك بغباء شديد لأنهم لا يعرفون تفاصيل التأريخ ولا أخلاق الملوك ولا الأواصر العميقة التي تربط الأسرتين المالكتين في السعودية والأردن على أصعدة كثيرة.

نعم للدول والحكومات أخطاؤها التي تؤدي إلى مشاكل سياسية واقتصادية، لكن في الحالة الأردنية لا يخلو الأمر من محاولات حثيثة، خارجية وداخلية مدعومة من الخارج، لتحويله إلى دولة فاشلة وتثوير الشارع الأردني ليتكرر ذات السيناريو في الدول التي تعرضت لخريف 2011، ولأن وضع الأردن الجغرافي والسياسي حساس جدا فإن اللعب بأوراقه الداخلية يثير شهية مخطط التمدد الفوضوي إلى جواره الذي استعصى على مخطط الخراب، وعندما قاوم الأردن كان لابد من إنهاكه اقتصاديا والتجييش ضده حتى من الفصائل التي آواها وأصبحت تتاجر بقضيتها مع عدوها الظاهري وعشيقها خلف الجدران، إسرائيل التي أصبحت أقرب إليها من حبل الوريد وتتشدق الآن أن السعودية تحاول تمرير ما اخترعوا تسميته بصفقة القرن التي يتم الضغط على الأردن بسببها. هؤلاء يمارسون دعارة سياسية وأخلاقية سوف تزكم رائحتها التأريخ لأمد طويل.

دعوة الملك سلمان للأشقاء المخلصين للاجتماع في قصر الصفا من أجل الأردن هي في حد ذاتها موقف أخلاقي نبيل وسياسي حازم، يتضمن رسائل مهمة تلميحية وتصريحية بأن هناك وعيا بما يراد له أن يحدث وأن المملكة في غاية الانتباه لهذا الأمر. والمسألة ليست المليارات التي سوف يتم دعم الأردن بها لتجاوز أزمته الاقتصادية وإنما التصدي الحازم للاستهداف الممنهج لاستقرار المنطقة.