-A +A
فهد أبو النصر
قال تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير». (سورة الحجرات، آية 13).

تكمن في هذه الآية الكريمة قيم ومبادئ إنسانية عظيمة، أبرزها دعوة للتعارف والحوار بين أتباع الأديان والثقافات؛ حيث إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ولا يستطيع العيش بمفرده منعزلا عن باقي البشر، كما أن الحياة لا تكتمل إلا بالتعايش مع الآخرين، ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا على أسس الاحترام والتفاهم المتبادل.


هنا تكمن أهمية الحوار، فهو الوسيلة الوحيدة التي تؤدي إلى التعارف بمعناه الحقيقي، وهو إيجاد القواسم المشتركة بالدرجة الأولى، وإدراك طبيعة الآخر العقلية والنفسية بالدرجة الثانية، ثم التعاون من أجل تعزيز الخير والسلام والعيش المشترك بالتركيز على المصالح المشتركة.

الحوار، بحد ذاته، لا يهدف لتغيير الهوية أو للإقناع، ولكنه يهدف لإيجاد القواسم الإنسانية المشتركة وتفعيلها كأساس لتعزيز التعايش السلمي والمواطنة المشتركة وقيم التعددية والتنوع.

يشهد العالم تحديات حقيقية تهدد أمنه واستقراره، ومعظم التحديات، خاصة التحديات الناجمة عن الجهل بالآخر في المجتمع، بالإمكان معالجتها عن طريق تعزيز ثقافة الحوار في المجتمعات والتوجيه الأسري والتربوي.

يظهر إدراك المجتمع الدولي لأهمية الحوار في تعزيز السلام العالمي ضمن أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وضمن رؤية 2030 التابعة للمملكة العربية السعودية.

فهناك أشخاص ضلوا طريقهم عندما نسوا الأصول الدينية السمحة، وبات تركيزهم على الاختلافات والتفاصيل البسيطة وجعلو منها سببا للحروب والصراعات المدمرة للنسيج الاجتماعي، مع خلط بعض من العنصرية والكراهية والتعصب نحو الآخر المختلف.

قال ولي العهد السعودي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظه الله في افتتاح مدينة نيوم: «سنعود إلى الإسلام الوسطي المعتدل والمنفتح على جميع الأديان».

كما قال سموه حفظه الله، إشارة إلى أهداف رؤية 2030: «رؤيتنا لبلادنا التي نريدها، دولة قوية مزدهرة تتسع للجميع، دستورها الإسلام ومنهجها الوسطية، تتقبل الآخر».

وبالفعل، الأمير محمد بن سلمان ينفذ هذه الرؤية على أرض الواقع، فرأيناه أثناء زياراته للخارج يعطي أهمية للقيادات الدينية ويزورهم في مقرهم مثبتا للعالم بأسره أن المملكة العربية السعودية هي مملكة الحزم، وهي أيضا مملكة الإنسانية والحوار. ففي القاهرة التقى ولي العهد بالبابا تواضروس الثاني وفي لندن قام بزيارة الأسقف جاستن ويلبي كبير أساقفة كنيسة كانتربري، كما التقى سموه بالعديد من القيادات الدينية الأخرى في فرنسا وفي أمريكا.

كما كانت هناك زيارات للمملكة من قبل قيادات دينية مرموقة مثل البطريرك الراعي من لبنان والكاردينال توران من الفاتيكان، ولقد حظوا بلقاء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله. إن هذه الزيارات تؤكد وتعزز موقف المملكة العربية السعودية والتزامها بنشر ثقافة الاعتدال المرتكزة على الحوار وتعزيز العيش المشترك، وبالتالي تعزيز دور المملكة الإقليمي والعالمي القيادي بالعالم الإسلامي.

* مدير مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات.