-A +A
أحمد الشمراني
• عندما دخلت قرية الفائجة التابعة لمحافظة العرضيات أدركت حقيقة ثابتة بأن بعض الرجال يمثلون مركز ثقل ولكن لا تشعر بذلك أو تستشعره إلا بعد أن يغادروا الحياة الدنيا مخلفين فراغا كبيرا وأسئلة حزينة.

• كنت هناك أقدم لهذه القرية وأهلها التعازي في وفاة أحد وجهائها ووجدت نفسي جزءا من هذا الحزن الذي بان على المكان قبل الإنسان.


• محمد أحمد الوهاسي القرني المعروف شهرة «سملان»، وأنت تتجاوز خط المخواة نمرة أيا ما تجده في طريقك وتسأله عنه يدلك، فهو علم من أعلام قبيلته، وعنوان واضح في العرضيات، كيف لا وقنونا كلها ليلة وفاته التحفت السواد حزنا عليه.

• مات العم سملان فتوافد على الفائجة مئات من البشر من كل الطبقات ومن مختلف القرى والمحافظات المجاورة، فكنت بينهم مرة أعزي وأخرى أستقبل المعزين، فهو بالنسبة لي أحد الأصدقاء الأوفياء لوالدي، بل إن ذاك الوفاء امتد إلى قبل وفاته بأيام من خلال زيارته لنا أو تواصله معنا، وربما في كراسة وفائه لأمثالي كثر، لأن الوفاء عند «سملان» مهنة وإرث جُبل عليه وليس مجرد كلام يقال كما هو حال المجتمعات اليوم.

• مات العم «سملان» فشعرت باليتم كما هو حال أبنائه، فهذا الوفي، وهذه شهادة للتاريخ، كان وفياً معي كما هو حينما كان والدي على قيد الحياة، بسؤاله المستمر أو زيارته لنا كل ما زار جدة، فهل مثل هذا «يُنسى»؟

• التقيته قبل شهرين من وفاته في جدة ولم أدري أنه اللقاء الأخير، كان كما هو كثير السؤال عنا وعن الحال، وكثير الحرص على أن نكون كما يتمنى، فودعني دون أن أعرف أنه الوداع الأخير.

• أحب الفائجة وأحب أهلها، وأحببتها أكثر من خلال العم سملان الذي كل ما زرت الديرة التقيه ويمنحني فرصة الاستئناس بوادي قنونا، ولا تسألوني عن كرم هذا الرجل فذاك أمر منه وله، لكنني قطعا سأكون مع أبنائه كما كان معي.

• قيل لأعرابي: ما بال مراثيكم أصدق ما تقولون؟ ‏قال: لأننا نقول وأكبادنا تتقطع.

• وهنا أشعر أن ألم الفراق بل وتعب الحزن يكتبني، ففي داخلي عن العم «سملان» وللعم سملان من الأبوة ما يجعلني أرثيه بدمعي.

• أما الفائجة المكان فحتماً ستشارك أهلها الحزن على فقد أحد أركانها، فللمكان مشاعر تقرأه جملة غير مكتوبة على الطرقات.

• ومضة:

‏فقيدي،

‏والحزن ما غنّا.. رثا

غيبتك وأشيائي المُرّه عناي!

انت وينك!

‏اغلـب الذّكـرى غثا

‏يا بعد عمر المواجع منت جـاي؟