-A +A
طارق فدعق
هذه الكلمة تصف الرسومات «الحرة» غير المقننة، وغير المدروسة. وتبدو ولأول وهلة أنها عبارة عن خطوط، وأقواس، وزوايا، بدون أي أهداف أو فوائد، ولكن الواقع هو غير ذلك، فبعض منها له معانٍ ومدلولات وآثار مهمة في حياتنا. ومن أغرب الأمثلة على المستوى الشخصي نجد اختبار «رور شاخ» Rorshach النفسي والذي أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى مخترعه الطبيب النفساني السويسري. وهو من الاختبارات النفسية العجيبة، فبناء على شكل «شخبطة» نتيجة سكب حبر على ورق، كان هذا الاختبار يظهر بعضاً مما يدور في العقل الباطني للبشر. فربما ما قبل الزواج مثلا قد تفسر شخبطة ما كالتالي: مجموعات من القلوب، والنجوم، والسحب... وربما بعد الزواج: تجد ما يشبه السلاسل، والخناجر، والانفجارات والفواتير... وهكذا. ولو صعدنا إلى مستوى الجغرافيا سنجد ما هو أغرب من ذلك. كنت في زيارة إلى الدولة الصديقة كندا، ولاحظت ظاهرة جغرافية أغرب من الخيال. فضلا تأمل في خريطة كندا وبالذات حدودها مع الولايات المتحدة. ستجد أن الحدود في الجانب الشرقي من كندا «مجعلكة» وكأنها سطح غترة ملبوسة لمدة سنة بدون كي، أي أنها تتميز بالتعرج العجيب ولا يتبع ذلك بالضرورة التعرج الظواهر الطبيعية مثل الجبال والأنهر والوديان. والسبب هو أن أثناء رسم تلك الحدود كانت هناك مستوطنات بشرية ممن كانوا يوالون الحكم البريطاني لأمريكا الشمالية. وكانت هناك مفاوضات أمريكية كندية على تلك المستوطنات والخيرات الطبيعية. ولكن كلما اتجهت غربا ستجد أن الحدود تصبح أشبه بالخط المستقيم، وكأن الجماعة تعبوا من المفاوضات وقالوا لنرسم خطا مستقيما لترسيم الحدود... ونخلص.

ولكن من أغرب قصص الشخبطة وقعت في إحدى أعز المدن. بعد إعلان الهدنة في حرب النكبة عام 1948 صمدت القدس صمودا رائعا من خلال بطولة الجيوش العربية، ولكن الجزء الغربي من المدينة خارج الأسوار سقط بعد معارك باسلة في أيادي القوات الصهيونية. واجتمع الطرفان العربي والصهيوني بمرارة للاتفاق على شروط وقف النار وترسيم الحدود. ومثل الجانب العربي القائد الأردني عبدالله التل، ومثل الجانب الآخر موشيه دايان. وقدم الضابط الصهيوني وثيقة ملغمة «بالبكش» جاء فيها أن الثقة والاحترام سيكونان من موجهات الالتزام بالعلاقات الجديدة بين الطرفين لتأكيد السلام... يا سلام... وكان جزءا من تلك الوثيقة خريطة لترسيم الحدود بداخل المدينة لفصل الطرفين العربي والصهيوني. ورسم موشيه دايان بالقلم الأخضر خطا على الخريطة ليعرف الحدود. وهنا كانت حركة «نصف كم» لم تظهر إلا لاحقا، فقد استخدم أحد الأقلام العريضة بعرض حوالى نصف سنتيمتر. وتحديدا فكانت الخريطة بمقياس 1 إلى 20 ألفاً، يعني كل نصف سنتيمتر على الخريطة يساوي حوالى مائة متر على الطبيعة. والمشكلة هنا هي أن تحت الخط كانت مئات الأسر المقدسية التي كانت تسكن في بيوتها آمنة، ووجدت نفسها في مجال إطلاق النار بسبب الخط الذي شخبطه موشيه دايان.


أمنيــــة

سبحان الله.. فإن خبايا الشخبطة كثيرة، وبعضها مؤثر على حياتنا بطرق لا نتخيلها، وعلى مستويات لا نحلم بها. أتمنى أن يكفينا الله شرورها في التحليل النفسي، والجغرافيا السياسية، والاتفاقيات الدولية، وفي الخشاخيش الأخرى التي لا يعلمها إلا الرحمن

وهو من وراء القصد.

* كاتب سعودي