-A +A
علي بن محمد الرباعي
لا ينكر مسلم أن مصدر الأديان واحد، وأن رسالة الأنبياء ربانية، وأن شعوب الكون تلتقي على الجانب الأخلاقي أكثر من غيره من تشريعات وتفريعات النصوص الدينية، والنبي عليه الصلاة والسلام بنص القرآن جاء بملة أبينا إبراهيم وهو سمانا المسلمين، والله شرع لنا من الدين ما وصى به نوحاً وموسى وعيسى.

الأديان تؤسس للحضارات بالقيم المعرفية والأخلاقية، وكل من ينتج حضارة تعلو قامته، وترتفع أسهمه، وتزيد حظوظه في كسب ولاءات وانتماءات البشرية، وإذا كان من لوازم سيادة الحضارات أن تتصارع فإن صراعها لم يكن عبثياً، وإنما لتحقيق مكاسب اقتصادية في المرتبة الأولى منها زيادة مساحات الأسواق الاستهلاكية وتوسع الهيمنة.


لا أدري من أين جاء توقع البعض أن الأديان جاءت لنفي بعضها، أو التعالي، والتمايز، أو النيل من المخالف واستباحة دمه بذريعة اختلاف الدين أو المذهب أو طريقة التعبد، وهذا فهم مغلوط يتعارض مع حقيقة الدين القائم على تراكمية، يعضّد لاحقها سابقها، ومن الطبيعي أن يدفع الوعي الشعوب إلى المحاكاة أولا ثم التحدي ومحاولة إثبات الذات وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

التعايش مع الآخر في ظل قيم وأخلاق الأديان المشتركة يوجب احترام حق الحياة، وبهذا يخرج الصراع من دائرة العبثية والقتل والتدمير من أجل القتل والتدمير لأنه يتحول به الإنسان إلى عديم إنسانية ومؤذ لخلق الله.

الإنسان إذا أنتج حضارة فمن حقه أن يسوّقها باعتباره منتجاً لحضارته، والمستورد والمستهلك يظل تبعاً وصدى سلبياً وبؤرة حقد وعدوانية، لأنه يشعر بالنقص أمام كمال الآخر.

حضارية الأديان تقوم على ما تتضمنه معطياتها من أنسنة غايتها خدمة البشر وتطوير إمكاناتهم ليعمروا الكون ويعيشوا بسلام. والفطرة التي تحدث عنها القرآن تعني أن الإنسان مخلوق أودعه الله قدرات عقلية وميولا نفسية وغرائز ذاتية تعينه على السير سيراً طبيعياً نحو الكمال والجمال ويعلو شأن القدرات كلما علا شأن القيم.

تستوقفني آية «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ»، وهذه الآية وأمثالها تدعونا للتفكير في مراد الله من تعدد الأديان وتنوع الشرائع، ووحدة الأخلاق، لتظل القيم الأخلاقية المشتركة بدءًا من قيمة العدل، والسلام، والرحمة، والصدق، والأمانة عوامل الاتصال والتواصل والتعاون بين أتباع الأديان.