-A +A
نتالي غوليه
يوماً بعد يوم، يمتد وضع عدوى الصراعات الإقليمية، إلى الأراضي السورية، التي أصبحت مجالاً للحرب بالوكالة.

في فبراير الماضي، أسقطت الطائرات الحربية الإسرائيلية طائرة إيرانية دون طيار، بينما أسقطت الطائرات السورية طائرة إف 16 إسرائيلية. وقصفت القوات الجوية الإسرائيلية عدة أهداف سورية وإيرانية. في تلك الليلة، تم تدمير قاعدة إيرانية في سورية بواسطة الطائرات الحربية الإسرائيلية بعد 24 ساعة من الضربات الجوية على مواقع إنتاج الأسلحة الكيميائية. دون أن ننسى تدخلات تركيا، والقصف الروسي الداعم لنظام بشار الأسد، ووضع منطقتي جوبة وإدلب، حيث الوضع يبدو فعلاً مخيفاً.


لست هنا بصدد تكرار تعليقات المختصين في الشرق الأوسط أو في المنطقة، لكنني أود ببساطة أن أشير إلى الهشاشة الأمنية التي تمر بها هذه المنطقة المهمة من العالم.

لقد شكلت الجزيرة العربية وحلفاؤها في مجلس التعاون الخليجي، طوقاً ضد العدو الإيراني ووكلائه (سواء الحوثيون في اليمن، حزب الله في لبنان، أو المعارضون في البحرين). ولكن يظل الوضع متوتراً أكثر فأكثر، خاصة مع غياب في الأفق لأي حل في الأزمة بين دول الخليج وقطر. وهذا بسبب التقارب الشديد بينها وبين إيران المروجة للإرهاب، والمتسببة في زعزعة الاستقرار بتدخلاتها الإقليمية.

هذه الضبابية في السياسة لأعدائها، تبدو عكس ذلك تماماً بالنسبة للخطاب الشفاف للرياض، خصوصاً حيال إيران، حيث لا يمكن لإيران الاستمرار في الإفلات من العقاب لزعزعة استقرار المنطقة العربية.

هذا التصلب في السياسة الإيرانية يظهر بوضوح شديد في الخطابات الرسمية الإيرانية، ولكن أكثر من ذلك يتجسد أيضاً على أرض الواقع.

لذلك إذا أردنا رسم واقع مختصر للمنطقة، فحتماً سنكون أمام وضع مهترئ، موسوم بلبنان مهزوز يعيد بناء نفسه عشية الانتخابات النيابية. واليمن المدمر، جراء الحرب على الحوثيين المدعومين والمسلحين من إيران. ومن جهة أخرى سورية التي تواجه الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر على أرضها بين إسرائيل وتركيا وروسيا وإيران.

وفي الخليج، فإن مجلس التعاون الخليجي يواجه بعض التوتر جراء تعنت قطر ورفضها الخضوع لمطالب جيرانها حفاظاً على استقرار الخليج العربي، وربما من الضروري انتظار قمة كامب ديفيد، في مايو، أو باكس أمريكانا لإيجاد حل تفاوضي لأزمة قطر.

ففي منطقة كهذه، ومن دون أدنى شك، فإن أي تصرف غير محسوب سيؤدي حتماً إلى انفجار فوهة البركان.

حرب الخليج الثالثة تتشكل مبدئياً أمام أعيننا؛ فالقاعدة العسكرية الأمريكية في قطر في حالة تأهب قصوى. ويبدو أن الرئيس ماكرون وحلفاءه، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، من خلال تجاوبه وتحركاته المتعددة في المنطقة وزيارته للمملكة العربية السعودية، قد أدركوا المخاطر التي تحدق بالمنطقة..

أما أوروبا الصماء، فهي غير موجودة، حيث تبدو السيدة موغيريني في بعض الأحيان أكثر اهتماماً بحماية الصفقة النووية الإيرانية أكثر من اهتمامها باستقرار المنطقة.

وفي الواقع، فإن الصفقة النووية الإيرانية هي سلسلة من خيبات الأمل، ليس بالنسبة للإيرانيين أنفسهم الذين أظهروا استياءهم في ديسمبر في الشوارع، ولكن أيضاً للمجتمع الدولي الذي وقف على استعمال إيران لبرنامجها الباليستي. وهنا، فقط ومرة أخرى، أعرب الرئيس الفرنسي ماكرون عن معارضته الشديدة لهذا البرنامج.

وعلى رأي الإعلام السعودي «إيران تتحدث مثل السويد ولكنها تتصرف مثل كوريا الشمالية».

الشيء الوحيد المؤكد هو وضع حد لهذا الانزلاق غير المنضبط. ويبدو أنه في مواجهة أمريكا غير الثابتة في قراراتها، وأوروبا الغائبة، أسمعت القمة العربية في الشرق المعقّد صوت العقل.

* نائبة رئيس مجموعة فرنسا - دول الخليج في مجلس الشيوخ الفرنسي.