-A +A
بشرى فيصل السباعي
مع طوفان الكتب التي تؤلف وتترجم، هل لك أن تتخيل ما هي الكتب التي تعتقد أن الناس سيبقون شغوفين بمطالعتها ويعتبرون أنها تساهم بتطويرهم وجعل شخصياتهم وحياتهم أفضل بعد 100 عام؟ وما هي أسماء المؤلفين الذين سيبقى الناس بعد 100 عام من الآن يتذكرونهم ويعتبرون إنتاجاتهم خالدة كتراث لأمتهم وللبشرية؟

هذان السؤالان كفيلان بجعل المؤلف يفكر ألف مرة قبل نشر أي كتاب، وأنا لست مع المطالبات بحظر كتب بسبب سخافة محتواها لأنها ستغرق تلقائيا في بحر من مليارات الكتب، وستبقى طافية على السطح فقط الكتب التي تنفع الناس بشكل جوهري، ولهذا أهم المهم بالنسبة لأي مؤلف أيا كان مجاله أن يجاهد نفسه لمنعها عن تعجل نشر مؤلفاته استعجالا للشهرة والمال، والنتيجة كتب سطحية بلا وعي لم تأخذ الحيز الزمني اللازم لتمحيص معلوماتها وإنضاج أفكارها ومنظورها.


فحتى بمجال الفقه عديد من الفقهاء الذين تعجلوا نشر كتبهم ندموا عليها وتبرأوا من آرائهم الفقهية فيها بعد نضجهم الفكري والشخصي، لكن من ليس ملما بسيرتهم يبقى يتخذ من كتبهم الأولى حجة له.

وإن كان الكتاب مجرد تجميعات «نسخ ولصق» من كتب الآخرين سترفع على المؤلف قضايا تتهمه بالسرقة الأدبية وتوقع عليه عقوبات مالية وتسحب كتبه وتصبح عليه وصمة السرقة الأدبية ويفقد مصداقيته الفكرية والشخصية.

وإن كان الكتاب من النوع الذي يحاول أن يكون طريفا لكنه بالواقع فقط سخيف، فهذا سيصبح بمثابة قالب سيحبس الجمهور المؤلف فيه وسيبقون للأبد يرونه مجرد مهرج سخيف، ولن يأخذوا شيئا منه على محمل الجد، ولن يعتبروا أنه مؤهل لإبداء رأي جاد بأي قضية جادة.

أما عن كون نشر الكتب السخيفة للمؤلفين الصغار هو من قبيل تشجيعهم على الكتابة، فالصحيح أنه يضرهم لأنهم سيجدون أنفسهم محبوسين للأبد بقالب كتابهم الأول السخيف، لكن يمكنهم نشر مؤلفاتهم على مستوى مدارسهم والجمعيات الأدبية للصغار.

وأنا هنا لا أقوم بالتنظير لشيء لم أفعله، فأنا أعرف تماما كم هو صعب ومؤلم أن يمتنع المؤلف عن نشر مؤلفاته شبه الجاهزة لأنه يريد إنضاجها وتكميلها بصورة تجعلها مفيدة للحاضر والمستقبل وسط بحور من مليارات الكتب ومليارات مواقع الإنترنت.

وهناك درجة من النضج الشخصي لا تتأتى إلا مع التأني وخبرات الحياة وسعة الاطلاع التي تجعل آراء الإنسان أقرب للصواب وأبعد عن محدودية وحدية الآراء المستعجلة.

لذا نصيحة للمؤلف؛ دع الجنين يكتمل، دع العجين يختمر، دع الطبخة تستوي، دع الثمرة تنضج.

bushra.sbe@gmail.com