-A +A
نجيب يماني
ذكرت «عكاظ» (18770) أن مجلس الشورى الموقر يدرس نظام المسؤولية الطبية، وقد حظر أحد بنوده إجراء عمليات الاستنساخ البشري وأبحاثه وتطبيقاته. رغم أن الاستنساخ لا زال محل نقاش وخلاف بين العلماء، قال عنه البعض بأنه عبث بخلق الله، وبالغ البعض بتحريمه ونسبوا هذا التحريم إلى الشرع، مع أن منهج هذا الدين القوة والثبات والبعد عن القمع بالتحريم لكل ما يجهله المرء من مستجدات الحياة، لقد راعت الشريعة الخالدة مصالح الناس وكيفت لهم حياتهم مع كل المستجدات التكييف الفقهي اللازم وتوقف البعض عن القول فيه لعدم حصول التصور الواضح لمعنى الاستنساخ في الأذهان، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره. فما لم يكن هناك تصور واضح ودراسة مستفيضة عن الاستنساخ فلا يستطيع مجلس الشورى إصدار القول فيه من زاوية الأحكام الشرعية. فحقيقة الاستنساخ لا تختلف كثيرا عن مسألة طفل الأنابيب، بل ربما حري بالاستنساخ أن يكون أقرب إلى الجواز من مسألة طفل الأنابيب الذي أجازته الكثير من المجامع الفقهية في الدول الإسلامية، ذلك لأنه في عملية طفل الأنابيب يكتنف المسألة اختلاط ماء الرجل بماء الزوجة خارج الرحم، أو بتعبير آخر يكتنفه انعقاد الحمل في الأنبوبة الزجاجية باختراق حُوَيِّن الزوج لبويضة المرأة، وهذا يتطلب الحصول على ماء الرجل مستقلا في الأنبوبة الزجاجية قبل انعقاد الحمل به، وهنا يكمن خطر الاختلاط فيما لو استبدل بماء غيره، والاحتمال وارد في مثل هذه الملابسات، أما في الاستنساخ فلا يدخل في المعادلة ماء للرجل أصلا، وهو المحظور الأكبر في مسائل النسب، فأصل الخِلقة في الاستنساخ ومكوناتها من الصفات الوراثية للجنين محفوظة في النواة لخلية الجنين مغلق عليها غير منفتحة ولا تُفتح في إجراءات الاستنساخ وإنما تنمو وتتفرع طبقا للتعليمات التي تحتويها المكونات الخلقية في المورثات الصبغية (الكروموزومات) فلا يخشى في هذه التحولات (اختلاط الأنساب)، وغاية ما في الاستنساخ أخذ خلية واحدة من خلايا تجويف الفم مثلا لطفل يكون هو أو هي الأصل لوضع تلك الخلية في مجراها الخلقي الذي وضعه الله لكل المخلوقات لتأخذ سبيلها بفعله وإرادته في النمو وتخليق الأعضاء والأنسجة والأجهزة لإنشاء خلق آخر هو توأم طبق الأصل للأول الذي أخذت منه الخلية أو منها. فليس الاستنساخ شيء من فعل البشر، كما يتصور البعض فالاستنساخ لا يعدو في الفعل عن مثل جمع الحصان بالإتان ليخلق الله منهما (البغال). فليس البغل أصلا مما خلقه الله سبحانه وتعالى استقلالاً بسلالة قائمة بذاتها مثل الأبقار والدواجن، وإنما خلقها الله بما أخذ به الإنسان من الأسباب. فهل تقول بأن البغال نتاج من فعل الإنسان؟! إن الإنس والجن لا يخلقون جناح بعوضة ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا. فالاستنساخ لا يعدو عما كان الناس يفعلونه منذ فجر التاريخ من جمع مختلف فصائل الحيوان والنبات المتقاربة في الخلقة في التزاوج ليخلق الله من الخليطين خلقاً جديداً لم يكن أصلا ذا سلالة في سجل المخلوقات. ولا يقال لمثل هذا النتاج إنه من فعل الإنسان كما يظن البعض في الاستنساخ، فالاستنساخ من الجهة الفنية والتقنية والعملية ليس أمراً صعباً، بل هو في مقدور أي مركز طبي متوسط الكفاءة إجراؤه. فهو أشبه بقطع فرع من شجرة ثم غرسه في التربة فينمو الفرع متحولا إلى شجرة أخرى طبق الأصل في الصفات والثمار، ويتلخص الاستنساخ في أخذ خلية واحدة من ابن أو ابنة الزوج وتستخرج منها النواة التي تحتوي على الكروزومات أو الصبغات التي تحمل الصفات الوراثية ثم تؤخذ بويضة من الزوجة وتفرغ من مورثاتها الصفاتية بسحب النواة منها، ثم يعاد غرس البويضة في جدار الرحم فتنمو بقدرة الله وفعله وتصويره حتى ينشئ الله منه توأما طبق الأصل لمن أخذت منه تلك الخلية، ولكن هذا الاستنساخ لا ثمرة له في حصول الولد إلا في حالة واحدة فقط وهي كون أحد الزوجين قد أصيب بعقم بعد أن كان لهم ولد ويريدان المزيد من الأولاد والخلفة أما ما يحدث في دول أوروبا وأمريكا وهو مساعدة من كان عقيماً ولا يقدر على الإنجاب أصلاً بأخذ خلية من الزوج نفسه أو الزوجة نفسها ويكون أحدهما عقيماً منذ الولادة لتكون أصلا للاستنساخ، فهذا هو المحظور في الشرع، لأنه لو كانت الخلية المغروسة في رحم الزوجة قد أخذت من الزوج نفسه فإن هذه الخلية تحمل صفات أب وأم الزوج، فلا يكون المولود ولدا للزوج بل هو أخوه حقيقة، كما أنه ليس ولدا للزوجة وإن كانت هي التي ولدته، والمحظور يكون أن أصل تكوين الخلقة لهذا المولود فيه ماء محرم على الزوجة وهو ماء أب الزوج ولو أخذت الخلية من الزوجة نفسها لكانت المولودة أختاً للزوجة حقيقة وليست ابنتها وهذا محظور شرعاً أيضاً، فالاستنساخ ليس شراً كله حتى يحظره مجلس الشورى.