-A +A
سعيد السريحي
نحتاج في البحث العلمي، وخاصة في ما يتعلق بالعلوم الإنسانية، إلى شجاعة باحث كالدكتور مرزوق بن تنباك، كما أننا بحاجة إلى تواضع باحث مثله، شجاعته حين ينهض بزعزعة مسلمات يتم التواطؤ على القبول بها دون أن يكون لها سند علمي يعزز هذا القبول، أو يكون سندها الذي ترتكز عليه هشا لا يلبث أن ينهار عند عرضه على محك التحقيق والتدقيق، وتواضعه حين يؤكد أنه على استعداد للتراجع عما يراه إذا ما ثبت له أنه لم يكن على صواب في ما أخذ به وذهب إليه.

نموذج ذلك ما ذهب إليه من أن القول بأن العرب كانت تئد البنات، إنما هو مجرد زعم لا تسنده حقائق التاريخ ولا نكاد نقف له على شواهد فيما تواتر عن العرب من روايات صحيحة، وحمل قوله تعالى (وإذا المؤودة سئلت) لا يقوم مقام الدليل فللوأد معناه العام الذي يمكن حمله عليه ويمكن له أن يكون كناية عن الظلم والإجحاف الذي يلحقه المجتمع بالمرأة، وقد أرجع الدكتور مرزوق فكرة الوأد التي تم التواطؤ على القول بأنها كانت شائعة عند العرب إلى الثقافة المجتمعية التي تقوم على تفضيل الذكور على الإناث وهي ثقافة مستمرة، كما يقول، إلى اليوم؛ إذ تعتبر المرأة عبئا على الرجل وهو ما يجعلها معرضة لصنوف من التهميش التي تحصر دورها في تربية الأولاد وخدمة الزوج.


وعلى الرغم من جرأة ما ذهب إليه الدكتور مرزوق وشك كثير من الباحثين في ما انتهى إليه وعدم تسليمهم بما قدمه من أدلة، إلا أنهم لم يقدموا ما يبرهنون به على هذا الشك، ولعل ذلك يعود إلى السلطة التي تمتلكها المسلّمات التاريخية حتى وإن كانت تفتقر إلى ما يدعمها من الأدلة والبراهين، ورغم ذلك كله لا يجد الدكتور مرزوق ضيرا في أن يؤكد بعد سنوات من صدور كتابه عن وأد البنات: إذا توفرت معلومة مثبتة تخالف أطروحة الكتاب فسأعتبر الكتاب وما فيه باطلا.

suraihi@gmail.com