-A +A
نورة محمد الحقباني
خلال اليومين الماضيين وحتى كتابة هذه المقالة يتداول السعوديون وغيرهم على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مقطع «وداع مؤثر»، يتعلق بعاملة منزلية إندونيسية اسمها حورية، عملت عند عائلة سعودية لمدة 33 عاماً، وقررت الرحيل بعد عقود فهبت جميع العائلة رجالاً ونساء وأبناء وأحفادا إلى المطار لتوديعها وتقبيل رأسها، والدموع تنهمر من عيونهم في مشهد إنساني حضاري يعبر عن طبيعة الأسرة السعودية.

لا شك في أن تلك العاملة المنزلية قضت شبابها وأحلى سنين عمرها في السعودية، وعاشت مع العائلة «الحلوة والمرة»، وأصبحت في مكانة الأخت الكبيرة لهم ومخزن أسرارهم وربما أكثر.


قرأت ردوداً تفاعلية كبيرة لغالبية من شاهدوا تلك المقاطع الإنسانية التوديعية، وكأنهم يتعايشون معهم في قلب الحدث والأمر يعنيه بشكل مباشر، ليس لشيء إنما لطيبة وأصالة معدن الشعب السعودي ونبل إحساسه.

هذا لا يعني أن هناك قلة «مدرعمين» استغربوا نشر مقاطع التوديع، وقلة أخرى وصفتها بالمبالغة من العائلة واستعراض لا داعي له!

في الحقيقة، ما رأيناه في تلك المقاطع لا يدعو للاستغراب وليست غريبة تلك المشاعر العاطفية والإنسانية على العائلة السعودية مع من شاركهم حياتهم، فما بالك بمن خدمهم وأكل وشرب معهم واحتوى طفولتهم وعرفوه منذ ولادتهم، حتى وإن كانت هناك بعض الحالات الشاذة، ولكننا بشر نعي تلك النقطة جيداً.

الشعب السعودي عاطفي، وليس غريباً عليه أن يكون بهذه المشاعر، ومن يعاشره جيداً لا يعرف عنه سوى الطيبة، والوفاء، والعطاء.

من الظلم أن يتم قياس معاملة وطيبة الشعب السعودي بالقصص القليلة التي تظهر من فترة لأخرى حول إساءة معاملة عامل أو عاملة، ويتم تسليط الضوء عليها إعلامياً وكأنها ممارسات وظاهرة عامة، إذ لا يمكن القياس على تلك الحالات الشاذة التي يرفضها السعوديون قبل غيرهم.

لو كنا شعبا سيئ الأخلاق لما استطاع الخدم والسائقون التعايش معنا كل تلك العقود من الزمن!

لو كنا شعبا سيئ الأخلاق لما استمرت العمالة في تجديد عقودها لتبقى عاملة لدينا ووافدة من دول عدة!

لو كنا شعبا سيئا لما استطاعت العمالة أن تنخرط في مجتمعنا وتتعايش مع ثقافتنا على رغم اختلافها عنه!

لدينا أعداد كبيرة من العمالة المنزلية لم نستثمرها كقوة ناعمة لتقديم صورتنا الحقيقية، ففي استطلاع لمركز الحوار الوطني قبل عامين أظهرت الدراسة أن 66.7% من المشاركين لديهم عاملات منزليات، في حين أظهرت نتائج أخرى أن نحو 87.2% من الأسر السعودية لديها سائق خاص.

هؤلاء قوة ناعمة عندما يعودون إلى بلدانهم، فقد تعايشوا معنا وعاشوا معنا على أرضنا وتطبعوا بثقافتنا، وهم الأقدر في بلدانهم أن يعبروا عن حقيقة الشعب السعودي الطيب الأصيل النبيل.. شكرا العائلة السعودية .. وداعاً حورية.