-A +A
حمود أبو طالب
حادثة طريفة ما زالت عالقة بذاكرتي منذ حوالى عشرين عاما، فقد كنت وقتها مديرا طبيا لأحد مستشفيات وزارة الصحة الذي تقوم بتشغيله إحدى الشركات الوطنية التي يتنوع نشاطها من أسفلت الشوارع إلى غرف العناية المركزة، بكل عشوائية ومراوغة وفوضى وتسيب، وحدث أن أحضرت الشركة طبيبا استشاريا بحسب العقد يحمل البورد الكندي والأمريكي كما تدعي الشركة وتقول الأوراق المهلهلة التي أحضرها الطبيب معه، ولم أكن أحتاج وقتا طويلا لأتأكد بأن شهادته مزورة ولم يعمل في يوم كاستشاري أو حتى أخصائي في مجاله، وبعد شعوره وموظفي الشركة بالمأزق تم تهريبه من المنطقة والمملكة فور شعورهم بانكشاف الأمر.

تذكرت هذه الحادثة قبل أمس وأنا في بهو المقر الرئيسي للهيئة السعودية للتخصصات الصحية في الرياض وهي تحتفل باليوبيل الفضي لتأسيسها. كان احتفالا حميما وأنيقا ومدهشا بتنسيق أمين عام الهيئة الخلوق المبدع المتفاني الدكتور أيمن أسعد عبده وفريق عمله الرائع، فقد اختصروا الزمن وقدموا مقارنة لوضع المهن الصحية في المملكة قبل وبعد إنشاء الهيئة بحضور وزير الصحة الحالي الدكتور توفيق الربيعة والسابق الدكتور حمد المانع، والأمناء السابقين للهيئة وعدد من أساتذتنا الكبار الذين يمثلون الرعيل المؤسس للتعليم الطبي في المملكة وزملاء سابقين ولاحقين، لتتشكل بذلك لوحة بانورامية تسافر عبر الزمن.


ما قبل الهيئة كانت الأمور تسير بستر الله ولطفه بعباده من الوهميين والمزورين، وكانت المهن الصحية لا يجمعها جامع ولا يربطها رابط ولا تخضع لأنظمة وقوانين ومعاييرخاصة بها، تنظمها وتضبطها وتحميها من الخلل. بدأت الهيئة بأربعة برامج والآن تشرف على أكثر من 90 برنامجا، وآلاف الكوادر الصحية في مختلف التخصصات، وتقدم كل فترة فكرة طليعية لبرنامج جديد غير مسبوق على مستوى العالم العربي والشرق الأوسط، وكم كان فخرنا كبيرا عندما ذكر الدكتور حمد المانع أن وزير الصحة في دولة عربية كبرى سبقتنا بزمن طويل في مهنة الطب والعلوم الصحية، طلب منه مساعدة الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بخبرتها لإنشاء هيئة مماثلة في تلك الدولة.

رغم بعض الملاحظات والاختراقات البسيطة فإن مجال المهن الصحية أصبح مسيجاً ومحمياً بأنظمة الهيئة، وأصبح تطويره مستمراً بجهود الهيئة لخلق أفضل بيئة ممكنة للممارسة الصحية، وأفضل خدمة صحية للمجتمع.

شكراً هيئتنا الموقرة، ومزيداً من الإبداع والتفوق.

habutalib@hotmail.com