-A +A
نجيب يماني
وقد انصرمت أيام سنة 2017، وطوت صفحاتها من عمر الأرض وإنسانها، وفتحت سنة 2018 كراستها للتدوين، وكل الأحداث موسومة بـ«الخطر»، والأرض توشك أن «تخرج أثقالها»، ولات حين مفزع أو مهرب.. هل أبدو متشائما؟

نعم؛ بكل وطأة هذا الشعور الثقيل المقيت، طالما أن (17) قد كتبت لـ(18) أجندة أيامها، من أدنى الأرض إلى أقصاها.


اصعد عاليا وانظر إلى الكرة الأرضية، وقلّب نظرك في اليابسة والماء، وستدرك حجم المأساة الإنسانية، وقد شارفت أن تجعل من الأرض جهنم وسعيرا.. دقّق النظر في الشرق الأوسط؛ هنا «داعش» تلبس مسوح الدين، وتنوب عن «الشيطان» في عمله، قلوب من حجارة، وقسمات من بؤس، وخطاب من الموت وإلى الموت.. والمحصلة، صورة شائهة عن الإسلام، يحزن لها العارفون بسماحته، ويفرح لها الباحثون عن نقيصة يجيّشون به الأمم عليه.. وكأنّما الخطى تتسارع نحو الوعد النبوي الصادق: «توشك أن تتداعى عليكم الأمم، كما تتداعى الأكلة على قصعتها»..

لا تغادر الشرق الأوسط، وأمعن النظر من علوّك إلى سورية، هنا «الأسد»، في كرسيه يجلس على أكوام الدمار والجثث والجماجم والشظايا، يأخذ العون من عمائم إيران السوداء، والسند من «نار» الروس، والتأييد من وارث عرش «العثمانية»، والكل بأجندته الخاصة، وطموحه «الأرعن»، والنتيجة موت بلا ثمن، وتشريد بلا وطن، وسلطة بلا عقل.. وما زال البحر ينتظر أفواج الهاربين لتشبع حيتانه من المهاجرين البؤساء، موت بين النار والماء.. ومن نجا جلس على أبواب الذل والهوان ينتظر «غنيمة اللجوء».

حرّك نظرك باتجاه القدس، هنا الأقصى يا عامنا الجديد /‏ القديم، «ترمب» قد كتب في آخر سطور العام المنصرم ما سيحرج مطلعك الساخن، سفارة دولته ستنتقل إلى القدس، وقد أعطى إسرائيل الحقّ فيها كاملاً بسيادة العاصمة، وسطوة الجبروت المستمر.. «الأمم» عارضت، ولكن لا مستجيب، والحال هكذا فأيامك المقبلات موسومة باستمرار العنف لا محالة، موت إثر موت، ومظاهرات واحتجاجات، وأصوات تعلو وحناجر تسوق الناس إلى المحرقة، كثير من الكلام، وقليل من الفعل، والحصاد «قنبلة على وشك أن تنفجر»..

هل قلّبت النظر في الخليج العربي، آخر معاقل الوحدة العربية المنشودة، لم يعد كذلك، وقد عرف الملالي كيف ينفذون إليه من «ثقب» قطر.. وذاك جرح ما أقساه.. أيّ «غباء» سياسي يتبطن عقولاً لا تكاد ترى أو تحسّ بالخطر الإيراني والمشروع الصفوي في منطقتنا..

أدر عينك باتجاه «اليمن» وستدرك حجم المأساة بكل عبثيتها.. من هذا الثقب أيضا عرف الشر الإيراني طريقه إلى تهديد أمن المنطقة، فأيقظوا نائم الفتنة على يد «صبي»، جعل من «اليمن السعيد»، أرض تعاسة وبؤس وموت يحصد نفوسا غالية، وأرواحا عزيزة.. لم يترك «الحوثي» ورهطه صفحة العام الماضي تمضي دون أن يدوّنوا بمداد الغدر اغتيال «صالح»، الذي أوشك أن يستدرك «غفلته»، ويعود إلى صوابه.. ولكن هيهات.. وبين الفينة والأخرى يشاغبون فضاء المملكة بعبث إيراني الصنع، رسالة من غدر، وتأكيدا للعمالة الرخيصة..

مصر والسودان، في توتر مستمر بسبب «مثلث»، وإثيوبيا هناك تكمل سد النهضة، والخوف من النتيجة الحتمية منه يكبر ولا يجد حلاً في «المفاوضات» والرحلات بين «القاهرة والخرطوم وأديس».. وغدا ستكتب أيامك أمرا جديدا..

تعال إلى ليبيا، حيث الفوضى في أجلى صورها، والقوة العمياء تتخذ من السلاح المنفلت مراكز سطوة لـ«الجماعات» فقط، ولا أثر للدولة يذكر، غير علم في الأمم المتحدة.. و«داعش» وجدت ضالتها في هذا الخراب، فعاثت فسادا، وروّعت النفوس، وأذهبت هيبة القانون هناك.. الكل يقتل الكل باسم «الدين»، ويكبر ويهلل، ويحلم بـ«الخلافة» على أجساد الموتى، وأنين الثكالى والموتورين..

قلبي مثقل بالحزن، ما بي طاقة للاستمرار في التطواف، أليس عجيبا ومثيرا للحيرة حد الدهشة والاستغراب أن هذا الوضع المأساوي مرتبط بمنطقة الشرق الأوسط دون غيرها من أركان الدنيا الأخرى..

هل أشرت إلى الخطر الماثل في «كوريا الشمالية»، نعم نسيت.. فهناك «صبي» يقلّب بين يديه «سلاحه النووي» ويتحدى الإرادة الدولية، ويوشك أن يشعل فتيل الحرب الكونية الثالثة، حرب يتجنبها الكل، لدراية كاملة بأن السلاح فيها لن يبقي ولن يذر..

أعلم يقينا أن حالات التوتر لا يكاد يخلو منها متر مربع في كوكبنا، فإن نجا الإنسان من محصلة الصراع والحرب والموت الزؤام، فهناك الكوارث الطبيعية التي ما زالت مراكز الأرصاد تحذر من خطر وشيك، وقد تغيرت طبيعة المناخ في العالم كله جراء الاحتباس الحراري الناجم عن السلوك البيئي المدمر الذي يمارسه إنسان القرن الـ(21) بكل ادعائه الحضاري.. والحال كذلك فلن تخلو أجندتك يا عامنا الجديد، من حرائق هائلة في الغابات، بما يعني مزيدا من غازات الكربون، واتساعا لثقب الأوزون، وفيضانات، وبراكين، وأعاصير، وجفاف، وتصحر.. وكل الأخطار البيئية المحتملة، والنتيجة نقص الغذاء، والمنتجات الزراعية، ومجاعات هنا وهناك..

أستطيع المضي في هذه المساحة «المتشائمة» قدر ما يسعني الخوف والقلق من مطلعك يا عامنا الذي أهلّ علينا اليوم، لكني سأستبقي بعض الأمل والفرح المنتظر، فهنا أرض المحبة والسلام، تنسج قيادتنا رؤيتها لرفاهية المواطن، وتكتب سطور ذلك في رؤية تمتد إلى العام 2030، والمشهد في وطني يبشر بخيارات هواطل في كلّ مفاصل المجتمع، سندخل أيامك - على ما يحيط بها من نذر -، بهذا الأمل الفيّاض، عين على الأمن والسلام، ويد في التنمية، ورؤية لمستقبل مشرق، وسننتظر الفرح في محفل الرياضة الكبير بروسيا، حين يسجل «الأخضر» حضوره هناك بما يفتح كوّة للسعادة في حياتنا.