-A +A
محمد آل سلطان
تابعت كغيري البرنامج الوثائقي الذي بثته قناة العربية بعنوان «مملكة الغد» وبقدر ما فرحت به حزنت لأننا مقصرون فعلاً في إنتاج برامج وثائقية ولغة مرئية بأساليب متعددة تسعى إلى «أنسنة البيانات» لا إلى تسطيحها، وتجعل من رؤية المملكة 2030 بتفاصيلها المتعددة درساً محفوظاً لجميع السعوديين منذ الصفوف الدراسية الأولى، وحلماً يسعى الجميع لتحقيقه.. حسناً فعلت قناة «العربية» ولكن هذا ليس كافياً! يؤلمني حقاً عندما تسمع لقطاع كبير من الناس وبعضهم من فئة المتعلمين والمثقفين يبتسر رؤية 2030 في عبارة بسيطة أو نكتة تافهة!

وفي رأيي أن الرؤية نجحت كطريقة عمل وكجهد رائع يرسم للمملكة طريق العبور للمستقبل بنجاح بدأنا نشاهد ثماره في ميزانية 2018 التي أعلنت مؤخراً، لكن هذا الجهد وهذا العمل الذي كنت شاهداً عليه ومشاركاً فيه كغيري من مئات وآلاف السعوديين قبل وبعد إطلاق الرؤية لم يترافق مع عمل إعلامي حديث يتوافق مع هذه الرؤية الطموحة ويتفاعل معها حقيقة لا شعاراً يوضع بمناسبة أو دون مناسبة!


لم ينتج الإعلام السعودي حكومياً كان أو خاصاً، ما عدا محاولات قليلة كان برنامج العربية الوثائقي إحداها، ما يتوافق مع هذه الرؤية العظيمة سواء على مستوى المحتوى أو التفاعل معه، ولولا الظهور الإعلامي لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في بعض القنوات المحلية والعالمية لكان الموقف أكثر صعوبة وغموضاً.

في المملكة العربية السعودية حراك عظيم وقيادة شابة طموحة ومواجهة لتحديات صعبة على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بعض هذه التحديات كان قد تم تأجيل مواجهتها لعقود مضت، وكان من حسن الحظ أن القطار لم يمض بعد حتى حانت ساعة الحقيقة والمواجهة، ومن يعتقد أن هذه التحديات سهلة فهو مخطئ، ومن يعتقد أنها لا تحمل في جوفها فرصاً عظيمة فهو يقترف خطأ أكبر، ومن لا يؤمن بقدرة الرجال على مواجهة التحديات وإحداث الاختراق المطلوب نحو مستقبل زاهر فليس له مكان في هذا المستقبل، ومن يستغرق في تصيد أخطاء المرحلة والعمل الدؤوب والتفاصيل الصغيرة فسيغيب عنه اكتشاف الاتجاه الكبير والغاية الكبرى ومحطة الوصول التي نسعى إليها، المؤمنون فقط بقدراتهم، وبقدرة أهل هذه الأرض المباركة، قادرون على إحداث تحولات كبرى عبر التاريخ عندما تسنح وتحين لهم الظروف لاقتناص الفرصة الكبرى وإحداث التحول العظيم والتأثر والتأثير به على العالم أجمع.

الاتجاه هو تحقيق رؤية المملكة 2030 من خلال ثلاث ركائز ينبغي ألا تغيب عنا دائما حتى لا تتوه وتتعثر الخطى في التفاصيل، وهذه الركائز هي مناطق القوة السعودية في أنها كانت وستظل وستكون هي العمق العربي والإسلامي، ومحور ربط القارات الثلاث، والقوة الاستثمارية الرائدة وصولاً إلى تحقيق ثلاثة محاور هي مجتمع حيوي، ووطن طموح، واقتصاد مزدهر، وهذه المحاور يخدمها 96 هدفاً إستراتيجياً تغطي كل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والوطنية، وهذه الأهداف ليست أهدافاً على الورق بل سيخدمها 12 برنامجا تنفيذيا وعشرات المبادرات سعياً لتحقيقها أو لتحقيق القدر الأكبر منها.

والبرامج التنفيذية هي الذراع الذي ستتمكن فيه الحكومة وشركاؤها من جعل هذه الأهداف واقعاً نعيشه بدأت ببرنامج التحول الوطني، ثم برنامج التوازن المالي لإعادة هيكلة الحكومة وتحويلها إلى حكومة رشيقة وفعالة، ثم سيتواصل تنفيذ البرامج بأهدافها التفصيلية تباعاً وصولاً إلى عام 2030 مثل برامج صندوق الاستثمارات العامة، وخدمة ضيوف الرحمن، والإسكان، وتطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجيستية، وتحسين نمط الحياة، وريادة الشركات، والشراكات الإستراتيجية، والتخصيص، وتعزيز الشخصية الوطنية.

السعودية تحضر نفسها لأن تكون قوة عالمية صاعدة ورائدة في كل المجالات، والإعلام والاتصال بقنواته المتعددة مسؤول عن حشد الجماهير وتوجيهها نحو الأهداف الوطنية العليا ليس بتعمية الحقائق عنها بل بإظهارها وإظهار التفاصيل والاتجاهات الكلية لبرامج الرؤية التنفيذية في سياقها الصحيح بدءاً من الوضع الحالي ومخاطره وصولاً إلى الوضع الذي نسعى إلى تحقيقه في كل برنامج ومبادرة وهدف في قالب ومحتوى ذكي يتم التمهيد له بفترات كافية ويفهمه ويتفاعل معه الجميع.. هذه المهمة ينبغي أن ننجح فيها لأن روح التصميم والتفاؤل والشغف يمكن أن تخبو إزاء أي عدم تواصل صحيح أو حملات إعلامية مضادة من أعداء المملكة.

dr_maas1010@