-A +A
عبد الرزاق بن عبد العزيز المرجان
أخذت الجرائم المعلوماتية منحى خطيرا بإقحامها في القضايا السياسية بين الدول. وكانت هذه المرة عن طريق استغلال زيارة ملك المغرب لقطر في 14 نوفمبر 2017 بطريقة لا أخلاقية، والذي كان يسعى جاهداً لحل المشكلة الخليجية.

تداعيات الصورة المفبركة


ارتكبت جريمة إلكترونية بحق ملك المغرب بفبركة صورته وهو يحمل وشاحا مكتوبا عليه «لكم العالم ولنا تميم»، خلال تجوله في أسواق الدوحة. وهذه الصورة المفبركة لها تداعيات خطيرة على مملكة المغرب، من أهمها الإيحاء بتعاطف ملك المغرب والشعب المغربي مع قطر، وتأييدها في أزمتها الخليجية مع الدول المقاطعة، ووقوف المغرب بشكل علني بجانب قطر التي ساهمت في زعزعة أمن الخليج «حسب التقارير الأمنية لبعض الدول الخليجية».

وانتشرت الصورة بشكل كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، وخلفت استياء كبيرا من جانب مواطني الدول المحاربة للإرهاب، واحتفاء بهذه الصورة المفبركة من جانب الإعلام القطري.

ونظراً لخطورة مدلولات هذه الصورة على مملكة المغرب، ليس فقط على مستوى الدول الخليجية المقاطعة بل وعلى المستوى الدولي، ما قد تؤثر على علاقاتها مع دول كثيرة، لذا أصدرت المغرب بياناً توضح بأن هذه الصورة مفبركة.

هل تعرف عدد الجرائم الإلكترونية المرتكبة بحق ملك المغرب؟

وبناء على ردة الفعل المغربية الغاضبة، أعلن مكتب الاتصال الحكومي القطري التابع لرئيس الوزراء القطري في 15 نوفمبر 2017، أن الصورة المركبة التي أظهرت الملك المغربي محمد السادس يحمل وشاحا مكتوبا عليه «لكم العالم ولنا تميم»، أثناء تجوله في أحد أسواق الدوحة فعل غير مقبول، وبررت ذلك بأنها محاولة إفشال الزيارة.

وذكر المكتب أنه سوف يتم التحقيق لمعرفة من حاول تأليب الرأي العام أو المساس برموز الدول، مشيراً إلى أن الفبركات الإعلامية نالت في بعض الوكالات ومواقع التواصل الاجتماعي حيزا واسعا خلال الفترة الماضية.

ولكن السؤال كم عدد هذه الجرائم وما هي ؟

في البداية علينا الاستناد إلى تصريح مستشار ملك المغرب ياسر الزناكي، الذي كان شاهد عيان في مسرح الجريمة على جميع الأحداث خلال زيارة الملك، وصرح بقوله «لقد كنت بجانب الملك خلال تنقلاته في إطار هذه الزيارة، ولم يقم قط بأخذ أي صورة أو حمل أي وشاح». هذا التصريح يشير إلى وقوع 3 جرائم إلكترونية بحق ملك المغرب وهي كالآتي:

1 - إنتاج الصورة للملك دون علمه:

يضع فرضيتين لإنتاج الصورة وهي:

• التقاط صورة للملك دون علمه على سبيل المثال عن طريق جوال شخصي.

• تركيب الصورة في مكان الحدث.

2 - فبركة الصورة مع الوشاح:

ونظراً لما ذكره مستشار ملك المغرب أن الملك لم يأخذ أي صورة أو يحمل أي وشاح، فتشير المعطيات إلى استخدام برامج لتعديل الصورة التي تم إنتاجها ووضع الملك حاملاً لوشاح يحمل بعداً سياسياً «لكم العالم ولنا تميم»، وإقحام الملك في قضية سياسية.

3 - نشر وتداول الصورة:

نشر وتداول الصورة التي تم إنتاجها بشكل كبير وفي وقت قصير عن طريق الحسابات القطرية المشهورة والمحسوبة على الحكومة القطرية كخالد جاسم وفيصل القاسم في وسائل التواصل الاجتماعي.

وهنا تؤكد الحقائق أن هناك تناقضا لتصريح مكتب الاتصال الحكومي القطري، حيث إن من قام بنشر الصورة المفبركة والاحتفاء بها حسابات إعلاميين كبار من دولة قطر، ولديهم الخبرة في ما يضر وينفع دولتهم وسياستها.

من قام بفبركة الصورة ؟

عند التمعن في نتائج قضية الاختراق المفبرك لوكالة الأنباء القطرية قبل خمسة أشهر، نجد أن المدعي العام القطري وجه التهمة إلى دولة الإمارات في الاختراق، مستنداً إلى أن آخر متصفحين للموقع القطري كانوا من جهة سيادية إماراتية دون الكشف عن عنوان الإنترنت (IP)، وأكدوا استمرار المتهمين في التصفح مع محاولة إعادة تحميل الموقع لتحديث الأخبار، ويقصد أنهم كانوا ينتظرون خطاب أمير قطر، الذي تدعي قطر بأنه مفبرك، فاتهام النائب العام لم يكن مبنيا على أدلة أو قرائن رقمية بل على أن الإمارات كانت مستفيدة من الاختراق، كما ادعى النائب العام القطري ووزارة الداخلية القطرية.

عند تطبيق نظرية المدعي العام القطري نجد أن قطر المتهم الأول في فبركة صورة ملك المغرب لسبيين وهما:

• إن المستفيد من الفبركة هي دولة قطر، للايحاء للآخرين أن ملك المغرب متعاطف مع قضيتهم.

• نشر وتداول هذه الصورة بشكل كبير وفي وقت قصير من قبل إعلاميي قطر المشهورين والمحسوبين على دولتهم والخبراء بأساليب الحرب الناعمة كخالد جاسم وفيصل القاسم.

هل سيتهم النائب العام القطري مجدداً الإمارات بفبركة صورة ملك المغرب، أو ستتجه بوصلته الرقمية على الدول المقاطعة الأخرى ؟

في النهاية نحن بحاجة إلى لاعب مهم ومؤثر على المستوى الخليجي أو العربي أو الإسلامي، لوضع ضوابط للحد من الجرائم المعلوماتية وتقديم المتهمين للعدالة ومعاقبة الدول الداعمة لهذه الجرائم.

لذلك نحن بحاجة لإنشاء إدارات لمكافحة الجرائم المعلوماتية والأدلة الرقمية على مستوى أمانة مجلس التعاون الخليجي، أو على مستوى مجلس وزراء الداخلية العرب أو منظمة التعاون الإسلامي، يرتبطون بزعماء الدول الإسلامية. فنحن مقبلون على جرائم نوعية تلعب فيها الأجهزة الإلكترونية والبرامج دوراً كبيراً، وستستغل للفتك بالأمة العربية والإسلامية.

* عضو الأكاديمية الأمريكية للطب الشرعي - خبير الأدلة الرقمية