-A +A
نجيب يماني
السماح للمرأة والعائلات بالدخول لملاعب كرة القدم خطوة تأتي ضمن خطوات التغير في عهد (سلمان الحزم) (ومحمد الخير)، ولكن لا زال بعض من بقايا الصحوة يحاول عبثاً أن يجد له موطئ قدم. بعد أن انكشفت سوءاتهم، وبان عوار ما اقترفوه بحق وطننا الكبير ولم يعد لهم في هذا العهد المبارك إلا أحد أمرين؛ غسل أدمغتهم مما التاث بها من فكر شاذ، وغلو ماكر، وتطرف مأفون، أو أن يستعدوا لاجتثاث من الجذور لا يبقي منهم ناعقا، أو مدلسا، أو متمترسا خلف شعارات دينية، ما عادت لافتاتها البارقة تنطلي على أحد، ولا مجال لأصحابها أن يختطفوا منابرنا، أو يسكتوا صوت الحق فينا.. مقطع مرئي استمعت إلى مُقدمه لاستطلاع رأي ضيوفه حول قرار فتح الملاعب أمام العوائل، تحدثت أكاديمية من إحدى الجامعات. وقبل الخوض في ما طرحته أشير إلى أن «التبرع» بفتح قضايا حسمتها الدولة، أمر لا يصدر إلا عن رجل «ملقوف»، يبحث عن مساقط الضوء، وينتظر الإشادة بـ«شجاعته»، وطرحه المخالف. قياسا على ما ظللنا نشهده ونكابده من «فئة» اختصرت الدين في رموزها، وفتشت نوايا الناس، وبدّعت وفسّقت كما يحلو لها، ووزّعت علينا غريب الفتاوى دفعنا ثمنها 30 عاماً من الضياع.

ما طرحه البرنامج لا يخرج عن ذات «الأسطوانة الصحوية»، بنزوعها نحو «الوصاية» على المجتمع، وتحديد ما يصلح، وما لا يصلح له، وتمرير خطابها المفخخ على قوائم الدين، حيث قررت أن القضية المطروحة لن يكون الرأي فيها لها، أو لمقدم البرنامج أو لأي إنسان وإنما هو «رأي الإسلام» فيها، «ثم علماؤنا الذين يوضحون لنا ما يريد الإسلام».. ولو أنها اكتفت بذلك لقلنا إنها أجادت ولكنها طفقت تقول برأيها، وتكشف عن وجهة نظرها المناوئة للقرار، لتفهم من حديثها أنها «لسان الإسلام»، و«صوته الغائب»، وهو عين ما ابتلينا به منذ أن أطلت علينا «الصحوة»، وحوّلتنا بمثل هذه الآراء والفتاوى إلى شعب حذر من الحياة، ومتهجس منها.. إن قرارات الدولة محكومة بتوجهها الإسلامي الذي لا يزايد عليه المزايدون، ولا حاجة لأصحاب الأجندات الخفية أن يحركوا نوازعهم بغية التشكيك، وإظهار الدولة وكأنها أضاعت الدين، و«فسخت» المجتمع..


وطالما أنها لا تعلم كيف سيكون تطبيق هذا القرار، فكان عليها الصمت، حتى ترى كيف يكون إنزال القرار إلى أرض الواقع. تكلمت وكأن نساء السعودية كلهن ذهبن إلى ملاعب الكرة تركن بيوتهن واطفأن قدورهن ونسين أولادهن وهجرن أزواجهن.. فمعظم الدول التي ترتاد نساؤهم الملاعب لا يتعدى 2%. هذا ما كان من أمرها أما موقف الضيف الآخر الذي عقب على ما تفضلت به فقد كان مدهشا، وهو يدعو الله أن «يحرم بطن الدكتورة الأكاديمية من النار»، ثم أجهش بالبكاء، ليجد «المواساة» من مقدم البرنامج بأن «يجزيه الله خيرا»..

هذه المواقف «المعلّبة» لم تعد تنطلي علينا، عرفناها منذ الجهاد الأفغاني، و«الخوارق» التي كانت تحتفي بها المنابر، وهي تزيّن الموت للشباب، وتستغل عواطفهم بمثل هذه «الدموع» الهواطل.. وفّروا عليكم «ملح عيونكم»، نحن ماضون إلى حياة مستظلة بإسلام وسطي لا غلو فيه ولا تطرف.. منتظم في سلك دولة رايتها «لا إله إلا الله محمد رسول الله». إن قيادة المرأة ودخول الملاعب والغناء والاختلاط وعمل المرأة وغيره مسائل خلافية وضحتها آيات الأحكام في القرآن الكريم مفصلة في العبادات وما يتبعها من الأحوال الشخصية كالمواريث والشهادات وغيره لأنها أحكام تعبدية لا مجال للعقل فيها ولا يمكن لها أن تتطور بتطور البيئات، كما أن الحدود والتي وجبت حقا لله عز وجل مقدرة من لدنه ولا مكان للاجتهاد فيها، أما عادات الناس وتقاليدهم وقوانينهم والقواعد العامة والمبادئ الأساسية والاقتصادية والاجتماعية فهي تتطور بتطور البيئات والمصالح، فالأصل في الأشياء الإباحة وأصل الإباحة لا يقتصر على الأشياء والأعيان بل يشمل الأفعال والتصرفات التي ليست من أمور العبادة، ونسميها العادات أو المعاملات، فالأصل فيها عدم التحريم إلا ما حرمه الشارع وألزم به. فالسياسة الشرعية تقوم على منهج عملي لتدبير شؤون الأمة وتحقيق مصالحها. ولو قال ممن يعيش وهم الصحوة وزمانها، إن ما يحدث من بدع لا تجوز في دين الله، فالابتداع في الدين إنما يكون في ما قيدنا الله به من عقيدة أو عبادة أو حل أو حرمة، أما ما لم يتعبدنا الله بشيء فيه وإنما فوض لنا الأمر باختيار ما نراه موافقا للمصلحة ومحققا لخير مستقبلنا فإن التصرف فيه بالتنظيم أو التغير والتبديل لا يكون من البدعه التي تؤثر على درجة التدين، بل إن الابتداع فيه من مقتضيات التطور الزمني الذي لا يسمح بالوقوف عند حد المورث، خاصة إذا تطورت وسائل الحياة وتغيرت طرق معاشها وأصبح التطور من ضروريات البقاء ومسيرة الحياة، فلا يمكن أن نتقوقع بوسائل غارقة في الجهل والخرافة متمسكة بباب سد الذرائع وغلقه بالضبة والمفتاح، بل نعمل جاهدين لتلبية متطلبات عصرنا وإلا تخلفنا عن ركب الحضارة والتقدم والقوى، وأصبحنا في عزلة لا صوت لنا ولا وجود، فكونا من عبثكم هذا وانظروا كيف تضعون أقدامكم في سعودية المستقبل، فدولتنا تقف على أرض صلبة بقيادتها وشعبها.