-A +A
عبدالرحمن الطريري
خلال الأزمة القطرية التي اندلعت شهر يونيو الماضي، كانت الدول الأربع التي قاطعت قطر تتحدث عن دعم وتمويل قطر للإرهاب، ودعمها لمعارضات الدول الخليجية والعربية، وكل ما فيه تقويض للاستقرار في الدول العربية.

وقد كان هناك الكثير من التسجيلات والمعلومات التي ظهرت خلال هذه الفترة، والتي كشفت الدور القطري والاتصالات القطرية مع عناصر إرهابية، وهو ما أزال أي شك موجود حول أسباب المقاطعة، وبعض الشكوك أتت أساسا من عناصر انتفعت من النظام القطري، أو مصلحتها الإيديولوجية التنظيمية مرتبطة بالنظام القطري، وفي الغالب الاثنتان معا.


هذه العناصر حاولت عبر خطابها بداية الأزمة، التسويق بأن الخلاف هو خلاف في وجهات النظر، ولا بد من دعم اللُحمة الخليجية عبر الصمت عن انتقاد سياسات قطر، وبلا شك فإن الجهد الإعلامي عبر مختلف الوسائل التقليدية والتفاعلية، أسهم بشكل كبير في إدراك المواطن الخليجي، لهدف هذه المقاطعة ولتاريخ من السعي الحثيث بمختلف السبل، لثني النظام القطري والأمير الوالد تحديدا عن هذه الممارسات، وأن خطوة الدول الأربع كانت هي «الكي» الذي أتى بعد استنفاد سائر الأدوية.

ومن اليوم الأول للأزمة كان المرجو أن تتجه قطر للتقارب مع محيطها، وأن تسعى للحوار مع دول الخليج لإيجاد أرضية للحل، وتأكيد أنها تريد أن تلتزم هذه المرة ولا تكرر سيناريو 2014، لكنها عوضا عن ذلك انشغلت بالتلاعب اللفظي، كالانشغال بالمسمى «حصار» بدلا من «مقاطعة»، وتسمية التوقف عن التدخل في شؤون الدول العربية بـ«السيادة».

وكما اختار النظام القطري أن يجوب عواصم العالم بحثا عن دعم سياسي ثمنا لاستثماراته وسخائه على شركات العلاقات العامة، فقد برزت سمتان للأداء القطري في الأزمة، الأولى هي الاعتماد على مستشارين أجانب، همهم الربح السريع والعمولات وآخر همهم مصلحة قطر، ولهذا ترى إجراءات تستهلك ملايين ومن المستحيل أن تعود على قطر بشيء، مثل إعلانات تكاسي لندن أو إعلانات في صحف غربية هنا أو هناك.

السمة الثانية هي ارتباطات قطر خلال العقدين الماضيين، مع تركيا وإيران وإسرائيل ومع جماعات إرهابية كتنظيم الإخوان المسلمين، فقد أوجدت لهم فترة حكم الأمير الوالد عروقا في الأرض القطرية تجعل اجتثاثهم صعبا ومؤلما.

ومن الأمور التي تكشف الأمرين معا، أعني العلاقات المتشابكة مع الدول الثلاث وأداء المستشارين الأجانب، العقد الذي وقعته قبل أيام مع إحدى شركات الاستشارات بقيمة 50 ألف دولار شهريا، بهدف تحسين صورة قطر لدى الجالية اليهودية في أمريكا.

وربما المواطن القطري يتجاوز سؤالا ما أهمية هكذا عقد اليوم، للاستمرار بالبحث عن حلول للمشكلة في أماكن أخرى؟ للسؤال بماذا عادت به العلاقات القطرية الإسرائيلية منذ فتح مكتب التمثيل الإسرائيلي في الدوحة 1996؟ والذي افتتحه الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز، والذي عاد ليزور الدوحة في العام 2007 ويتجول في أروقة الجزيرة.

وربما أبرز ما عادت به وجود مستشار للسياسات الإعلامية من إسرائيل، وهو عضو الكنيست السابق عزمي بشارة، وهو من نظم العلاقات بشكل يجعل إسرائيل هي المتنفس للنظام القطري في بعض الأزمات، وعلى سبيل المثال فقد قدمت الحكومة الإسرائيلية خدمة لقطر عبر إغلاق مكتب الجزيرة، بعد حادثة إغلاق المسجد الأقصى، وللتغطية على الدور السياسي الذي قام به الملك سلمان لإعادة فتح المسجد.

لكن هذا تم بالتزامن مع خروج عدة مسؤولين على شاشة الجزيرة، ولا يظن عاقل أن مسؤولا إسرائيليا سيخرج على قناة تعاديها حكومته، لكن هذه إحدى علامات عدم إدراك الوعي الشعبي السعودي، والذي كان الجدار الأول لممارسات ما يسمى «خلايا عزمي الإلكترونية».

إيران التي اقتربت منها الدوحة بشكل سيصعب عليها الانفكاك منه لاحقا، يبدو أنها أثرت أيضا في الخطاب الرسمي القطري، حيث ظهرت تصريحات متتالية خلال الأسبوعين الماضيين، تتحدث عن رغبة الدوحة في الحوار وهو أمر طيب في ظاهره، لكن اللعبة كانت رفع إجراءات المقاطعة ثم بدء الحوار، حتى يطول الحوار ويفقد مضمونه، وينسى الناس أن الخلاف الرئيسي حول دعم الإرهاب، كي تحاكي الدوحة المفاوضات النووية، لكن حياكة السجاد لا يتقنها الجميع ولا تنطلي على الكل.

بعد اتصال الشيخ تميم يوم الجمعة بسمو ولي العهد السعودي، خرجت أصوات من السعودية نسينا وجودها من طول صمتها، وما كانت تتحدث خلال الأشهر الماضية إلا عن فضائل الحج وبر الوالدين، لتأتيك مرحبة بفرص حل الأزمة، أي فرصة عودتها لقطر، وكذلك خرجت تغريدات عزمي بشارة للتحدث عن أطراف الأزمة بأبجدية ظاهرها عربية وباطنها عبرية، بعد أن صمت كثيرا خلال الأزمة ليختار فجأة الخروج من الظل وكأنما خشي على مكتسبات أن تفقد.

ويبقى هذا هو السؤال المهم من سيخسر إذا تخلت قطر عن مشاريعها من دول وكيانات؟