-A +A
حسين شبكشي
التوثيق له طرق وأساليب مختلفة. وهذه الطرق والأساليب هي التي كونت الذاكرة التراكمية التي صنعت تاريخا للبشرية تراجعه وتتأمل فيه وتتدبره. ورحلة الحج عرفت مراحل وأشكالا مختلفة من التوثيق، فكانت رحلة الكتابة التي عرفت صورا متنوعة لتجارب العرب والعجم إلى الأراضي الحجازية والديار المقدسة عبر كتب وثقت هذه التجارب سواء من وجهة نظر إسلامية وروحانية خالصة أو من رحالة ومستشرقين، وأصبحت هذه الكتب بمثابة ذاكرة موثقة لحقبات تاريخية ثرية ومهمة جدا. ثم جاءت مرحلة الرسم وهي مرحلة عرفت بالرسوم الاستشرافية وغطت دول المغرب العربي ومصر والشام وفلسطين والعراق وشملت الحج ومكة والمدينة وكونت ذاكرة موثقة بالصور المرسومة بحسب ما عبرت عنه ريشة الفنان. ثم جاءت مرحلة التوثيق الفوتوغرافي وهي كانت مرحلة مهمة جدا وثقت صورا للمكان والإنسان بشكل مدهش، فلأول مرة يرى العالم مشاهد حقيقة للتنوع وللعمران وللحشود التي تعرف بها الأراضي المقدسة، بعد أن كانت الكلمة والرسوم تقدم مادة للخيال باتت الصورة تقدم دليلا قويا للعين والعقل. ثم جاءت رحلة التوثيق المصور المتحرك. فدخلت الأفلام الوثائقية الهامة وهي تصور رحلات الحجاج من إندونيسيا والهند والدول الإسلامية الأخرى وكانت الأفلام وسيلة توثيق شديدة التأثير والفعالية فهي قدمت مادة دسمة لجماهير السينما في دول العالم المختلفة. ثم جاءت مرحلة التوثيق التلفزيوني وهي المرحلة «العريضة» التي قدمت وسيلة توثيق شعبية بامتياز تدخل إلى كل البيوت في كل الأوقات وتبث الأحداث على الهواء مباشرة تمكن المتلقي من التعايش مع الحدث. وفي هذا العام شهد موسم الحج توثيقا متزايدا معتمدا على وسائل التواصل الاجتماعية بكافة تطبيقاته دون استثناء، فبات موسم الحج موسما تفاعليا لا غبار عليه يستطيع المتلقي والمشاهد أن يتعايش مع كافة المناسك والمشاعر والطقوس والأماكن في لحظة حدوث المناسبة ومن كافة الزوايا وهي مسالة تفاعلية عظيمة لم تستطع كافة وسائل التوثيق السابقة مجتمعة تقديم ولا جزء منها. التجربة الجدية تعتمد على التواصل والتفاعل الجمعي والشخصي بكافة التفاصيل بحسب طلب المتلقي فبالتالي من الممكن أن يقوم المتلقي بتفصيل المادة والمعلومة بحسب حاجاته. وباتت هذه الوسائل عناصر مساعدة ومهمة جدا للجهات الإعلامية والأمنية والتنفيذية الرسمية لمؤسسات الحج في السعودية، تستفيد من المعلومات والإشارات والأخبار والشكاوى والاعتراضات المقدمة. إنه العصر الجديد الذي يلامس كافة جوانب حياتنا التقنية، لم تترك شيئا إلا وعليها بصمة بما في ذلك الحج وشعائره. كل عام وأنتم بخير.