-A +A
نايف الجهني
رغم أن المصابيح تجذب الفراش، إلا أنها تطرده في نفس الوقت، وهكذا هي السياسة، تؤمن بالجذب والطرد معا، ومن لا يتمكن من الوصول لهذا الفهم، عليه أن لا يبحث عن المصابيح ولا يشتكي من وجوده في العتمة، إن ملامح الفهم المقلوب لهذه المعادلة يتجلى في المشهد المؤلم الذي رسمته سياسة العبث القطرية التي كانت ومازالت حائرة بين فصلي الحضور والغياب، تائهة في صحراء البحث عن معنى أو مكان يجسد موقفها ووجودها الهلامي على شاشة الواقع السياسي والفكري، فلم تجد مبررا للوجود الذي تسعى لتحقيقه محليا وعالميا ولا مبررا لانسحابها من ساحة التجاذب التي لايفهمها الصغار...

لم تكن الدهشة وحدها قادرة على مسح الماء المنسكب على الوجوه، أو حتى حفظه ليظل الأمر المدهش هو الحقيقة الساطعة كبرق أيلول فوق تلاله السمراء، فرقصتها المخجلة بين التواجد المتزن على طريق السياسة العربية والعالمية وبين الخروج عليها والتمرد على قوانينها، أخرجتها بسرعة فائقة من إطار المعنى وأعادت الصورة إلى بعدها الحقيقي الذي تناسته وظلت لفترة طويلة تحاول قضم أجزاء منه ظنا منها بأن ماتمتلكه من أنياب هشة قادر على فعل ماتحلم به، والمتضمن مزيدا من التشكيك بالدور الذي يمكن أن تلعبه وتصنع تفاصيله المملكة العربية السعودية، ومزيدا من محاولات خلط الأوراق والتسلق بغباء على أغصان السياسة الغامضة التي لايمكن أن تؤدي إلا إلى المزيد من الظلام والتشتت.


إن عمق وجمال ما تشهده المملكة وما تقوم به من دور مبهر ومزلزل لم تقو على استيعابه الدول التي مازالت تنظر للعالم بعينين صغيرتين ورؤى هشة يصعب عليها الإبصار وتلمس ملامح الحقيقة.. فانقلاب الأشياء وتحولها أربك المعاني الجاهزة والتصورات المبنية على فهم قديم ونظرة تقليدية ودفع قطر إلى إدخال إبرتها في الثقوب الذي يسقط اتساعها المزيد منها في حفر شديدة العمق. ولم تنجح حتى في عمل دراما سياسية تطفئ النار التي اشعلتها، لعدم الإدراك بأن النار تعمل وفق قوانين الطبيعة التي تعكس النوايا القابعة خلف أي رغبة في إشعالها. فهاهي تسعى للتطهر من ذنب أفعالها بوهج نار القطيعة التي جاءتها بحجارة من فضاء السياسة الذي لم تؤمن يوما برحابته واتساعه بقيادة الكبار. فالسعودية ودول المنطقة ذات النضح السياسي لا يهمها مثل هذه الممارسات الطفولية غير البريئة، ولا تهتم بمحاولة إحدى حبات العقد الانفلات من سياقه، لكنها تتأسف لعمل يأتي في وقت، تتجلى فيه الرغبة في التشويش ومحاولات إخفاء مالايخفى من مشاهد النجاح الذي تحقق على هذه الأرض، والتحالفات العظيمة التي غيرت تركيبة العمل السياسي برمته، ويعكس التفاعل السلبي مع نتائجه، أملا في الاستفادة من موقف وهمي لا يكفي لستر هذه الفضيحة شديدة السطوع. فلايمكن أن يكون السبب لعملها هذه نتاج جهل بالحقيقة، أو عدم فهم لطبيعة سير الأحداث وإنما هو محاولة بائسة لتغطية الثقوب المنتشرة في جسدها، والفجوات التي سعت لخلق بديل وهمي لها في الموقف العربي كله، كمحاولة وضع يديها الصغيرتين على الضوء الذي يعكس احتضانها ودعمها للأفكار والأعمال والأحزاب التي تنخر ليلا في جدار الوحدة وتصر على تسميم مياهه بالدعم الذي يعد عملا غير مقبول، سواء للإرهاب الإعلامي أو الإرهاب ذي الجذور الضاربة في عمق الأرض. حتى أصبحت منبعا لكل فكرة سامة وتطلع شيطاني يخدم حالات التخريب التي تقودها جماعات التطرف وأحزاب السعي لتحقيق حالة كبرى من الخذلان والعجز والتأسف لدى عدد كبير من شعوب المنطقة، كجماعة الإخوان !

فهل ستفكر قطر بقبول الانصياع لهذه الموجة الصارمة من الحزم تجاه أعمالها المتراكمة وتعود لوعيها وتلمس حجم جسدها الطبيعي؟، أم أنها ستبقى حبيسة الوهم الذي رسمته لها عدد من العناصر ومنها قناة الجزيرة التي كان لها الدور الأكبر في تغيير جلد ولحم.عظام الجسد القطري، وصنع حالة من الغربة بينه وبين بقية الأجساد التي لم تصب بداء هذا الغرور السياسي الذي أصيبت به ؟... لتؤكد من خلال عنادها، الخاسر حتما، على أنها رمت عود الثقاب، عبثا وشعورا بالضعف، لترى ماالذي سيفعله وما نوع المستقبل الذي ستقود شعبها له ؟

* أكاديمي ومؤلف