-A +A
حازم زقزوق
Hazemzagzoug@

السؤال «فقط»؟ لأن التعبير عن عدم الرضا على الخدمات المقدمة من أي مهنة في المجتمع، لم يكن من ضمنه الاعتراض بالضرب، وإطلاق النار والطعن وخلافه إلا في حالة الخدمات الطبية والأطباء، لم نسمع أبدا عن زبون يطعن الطباخ أو مقدم الطعام لأن الطعام بارد أو حتى يحتوي على صراصير! كما لم نسمع عن نفس الزبون يطلق النار على مهندس الديكور لأن لون غرفة النوم سبب له أرقا! وحتى عندما قارنت من أسبوعين بين مهنتي الحلاق والطبيب من ناحية مدة الدراسة والعائد المادي لم يخطر في بالي أن هناك أخطارا «تصل حد القتل» في مهنة الطبيب لا يتمتع بها الحلاق!


وهكذا هناك عدم عدالة في طريقة الاعتراض على الخدمات المقدمة من المهن المختلفة، فبينما يحرم الزبون مقدم الطعام من البقشيش أو حتى يعرض صور الطعام السيئ في وسائل الاتصال الاجتماعية، فهو يطلق النار على الطبيب أو يطعنه بخنجر، وربما إذا لم يعالج الأمر بجدية وحسم، سنضطر إلى استحداث بدلات للأطباء مثل «بدل طعن» أو «بدل خطف» إضافة الي «بدل قذف».

والأخيرة هي جريمة تحدث بشكل أوسع وأقدم من الجرائم الأعنف والأحدث، وكان سكوتنا عليها من أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار العنف مع الأطباء في الآونة الأخيرة، وللإعلام دور كبير في التهجم على الأطباء والمستشفيات ووضعها في دائرة الاتهام بشكل متواصل واستهداف سمعتها وحشد الرأي العام ضدها، والتركيز على الأخطاء الطبية -التي تحدث بنسب متعارف عليها في كل دول العالم- بشكل مخل وغير عادل، وظاهرة التعدي على الأطباء عالمية، تمتد من الصين والهند حتى الولايات المتحدة، ومعدلاتها في ازدياد في العقد السابق، والتفسيرات تتراوح من اعتقاد المريض أو أهله أن الطبيب مخطئ وتسبب في أذى أو موت المريض، إلى الحد الذي قالت دراسات أخرى أن هناك نوعا من الغيرة التي يشعر بها العامة ضد الأطباء، نظرا لما يتمتعون به من ميزات مالية واجتماعية كبيرة، وفي المقابل لا بد أن يقوموا بالمعجزات لإنقاذ المرضي مهما كانت الظروف. وهنا لا بد أن نتذكر أن الأطباء في أغلبيتهم والمستشفيات في أغلبيتها لا تحصل على العائد الذي يتوقعه المجتمع ويستحق الطعن من أجله، وأن الدخل المرتفع والأرباح العالية لايحصل عليها إلا نسبة منخفضة من الأطباء والمستشفيات وهي طبيعة الحال. ولا بد أن نذكر أن الأمر ليس قضية أمنية بل أخلاقية مجتمعية في المقام الأول، يبدأ فيها الحل عندما تعدل المعايير غير عادلة في الأسعار والأجور بين المهن والخدمات المختلفة، وتضييق الفوارق بين أصحاب المهنة الواحدة في الصناعة الواحدة لتحقيق العدالة والاحترام الذي يبدأ من داخل الصناعة ويمتد لتحقيق العدالة والاحترام في المجتمع كله نحو هذه المهنة. لا يصح أن يحصل الطبيب والمستشفى أو المستوصف على أجر لا يعادل المخاطر ولا المصاعب التي لا يراها العامة والمجتمع.

وما أثار اهتمامي أن بعض التعليقات في وسائل التواصل الاجتماعي تتحدث بغل وشماتة في الاعتداء الذي حدث لأحد الزملاء في المدينة المنورة، بحجة أن الأطباء والمستشفيات أصبحوا تجاريين ويهدفون للربح فقط. والمنطق غريب، لأن الربح ليس عيبا في أي مهنة، فما بالك بمهنة فيها المخاطر على السمعة والصحة والمال والآن علة النفس عالية جدا.

وإذا كان الأمر كذلك فلنطالب بأن تدفع شركات التأمين أجر الكشف عند الطبيب ٥٠ ريالا دون طعن، و ١٠٥٠ ريالا مع احتمال الطعن، بحد أقصى طعنتين.