-A +A
سعيد السريحي
لو كان الشعر مجرد كلمات جميلة يتفنن الشاعر في كتابتها ويتلذذ القارئ بتلاوتها لما استحق الشعر أن يكون له يوم عالمي يحتفي فيه الناس على اختلاف أجناسهم ولغاتهم به، وكيف يمكن لعالم بات فيه الإنسان مهددا بالموت والجوع والتشرد أن يحتفي بشعر يعيش كاتبوه في عوالم افتراضية لا تستشعر المأزق الإنساني ويحيا قارئوه في عوالم لا تقل افتراضية لا تصل إلى مسمعهم فيه غير قوافي الشعر وأوزانه مبرأة من شهقات الذين يموتون قتلا على قارعة الطريق أو جوعا في الزوايا.

الشعر الذي يحتفي به العالم إن لم يكن ملامسا للجرح الإنساني المفتوح باتساع القارات والمحيطات فليس هو بشعر جدير أن يحتفى به، والشاعر الذي لا تتدفق قوافيه دما يمكن له أن يكون مهرجا أو ممثلا أو لاعب سيرك أو مرقصا للقردة غير أنه لا يمكن أن يكون شاعرا البتة، والقارئ الذي يبحث في الشعر عن متعة عابرة يهز لها رأسه طربا ويديه تصفيقا هو قارئ لا يفقه معنى الشعر أو لا يشعر بتلك الهاوية التي تنفتح تحت قدميه وتهدد وجوده كإنسان على سطح الأرض.


وليس المقصود بذلك أن تتحول القصائد إلى جنائزيات ومراث كررها الشعراء من قبل حتى أصبح لها رائحة حنوط الموتى أو رائحة قبور يتبادل فيها الموتى مواقعهم كلما بليت جثة أخلت مكانها لجثة أخرى، ليس ذلك هو المقصود فتلك صنعة المفلسين من الشعراء وإنما أمر آخر تصبح معه القصيدة حربا على الحرب وموتا للموت، تصبح القصيدة حياة موازية لعالم يسلم الروح، أما كيف يتحقق ذلك فالشعراء الحقيقيون هم وحدهم الذين يعرفون وبهم ومن أجلهم ينبغي أن يحتفي العالم بالشعر.