-A +A
علي حسن التواتي
تشرفت يوم الأحد الماضي 5/ 3 / 2017 بحضور المؤتمر الصحفي لتدشين الحملة التوعوية لـتجنب «سوء استخدام الأدوية الوصفية» الذي عقد في مقر إمارة منطقة مكة المكرمة برعاية وحضور أمير المنطقة ومستشار خادم الحرمين الشريفين صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.

ولقد كان في رعاية سموه وحضوره رسالة واضحة ودعم قوي للحملة التوعوية التي بادر بها ويشرف عليها وكيل الإمارة للشؤون الأمنية سمو الأمير سعود بن جلوي.


والحقيقة أن حملة كهذه كانت منتظرة، ولكن المفاجأة كانت في تولي الإمارة لزمام المبادرة بها والإشراف عليها، ما يدل على خطورة المسألة وجدية التهديد الذي يواجهه المجتمع من تفشيها حتى تحولت إلى أولوية أمنية تتخطى حدود الحفاظ على الصحة العامة.

وإساءة استخدام الأدوية الوصفية يعني بحسب «المعهد الأمريكي الوطني لمكافحة إساءة استخدام الأدوية NIDA» تناول دواء بطريقة أو جرعة مخالفة للوصفة الطبية. ويشمل ذلك تناول دواء وصف لشخص آخر حتى وإن كان موصوفا لغرض مشروع كتخفيف الألم، ويشمل أيضا تناول الدواء بغرض الإحساس بالنشوة..

أما الأدوية الوصفية التي يمكن أن يساء استخدامها فتصنف أيضا بحسب NIDA تحت ثلاثة أنواع هي: 1. المواد الأفيونية Opioids وتوصف عادة لتخفيف الألم، 2. المواد المؤثرة في الجهاز العصبي المركزي CNS وتوصف لعلاج القلق واضطرابات النوم، 3. المواد المنشطة Stimulants وتوصف غالبا لمعالجة قلة التركيز واضطرابات فرط النشاط.

أما الآثار المترتبة على سوء استخدام الأدوية الوصفية فلا حصر لها وتتجاوز التأثيرات الصحية للتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية. ومن آثارها المباشرة، على سبيل المثال لا الحصر، تزايد حالات موت الفجاءة نتيجة لزيادة الجرعة أو تضاد الدواء مع أدوية أخرى، وزيادة أعدد مراجعي غرف الطوارئ في المستشفيات وتزايد حوادث المرور وتفكك الأسر واكتظاظ مستشفيات ومراكز معالجة الإدمان، وزيادة معدلات البطالة وغيرها من الآثار المدمرة. ولوحظ أكثر الفئات العمرية تعرضا لتفشي هذه الظاهرة الخطرة هما فئتا الشباب والمراهقين ما يعني ضياع أجيال وفقدان لرأس المال البشري الحالي والمستقبلي وهو ما لا يمكن تعويضه لو أوتينا كنوز الأرض وأنفقناها للمعالجة بدلا من الوقاية.

ومن خلال النقاش الذي دار بين الحضور في مكتب الأمير خالد الفيصل تبين أن الجميع كانوا على وعي عميق بأبعاد المشكلة وتأثيراتها الظاهرة والعميقة التي تنخر في المجتمع بشكل أصبح موازيا لتأثيرات «المخدرات». والمؤلم هو أن الوصفة الطبية أصبحت بالنسبة لمدمني الأدوية الوصفية كالسلاح في يد المبتلى بها يبرزه عند الحاجة في وجه المجتمع لتجنب المساءلة أو التوجيه أو حتى الفصل من العمل أو الطرد من المدرسة ما يؤدي في النهاية لمزيد من التفشي في الاستخدام حتى وإن على سبيل التقليد بين الأقران في البداية قبل الإدمان كالمخدرات تماما.

ولهذا أصبحت سوق تهريب الأدوية الوصفية القابلة لإساءة الاستخدام رائجة حتى إن «معظم» متعاطيها يحصلون عليها من هذا المصدر بحسب معلومات سمو وكيل الإمارة للشؤون الأمنية الذي لم يفصح للحضور عن مزيد من التفاصيل. وبتجاوز التهريب كمصدر، رغم صعوبة تجاوزه، إلا أن التعامل معه من اختصاص جهات أمنية مسؤولة تتعامل معه تعاملها مع تهريب المخدرات، تهمنا نحن كمواطنين المصادر والقنوات الشرعية لوصف وصرف هذا النوع من الأدوية المؤذية في حالة عدم الالتزام بشرعية تناولها. وأول هذه المصادر «بعض» الأطباء، خاصة منهم النفسيون، في المستشفيات والعيادات الطبية الذين يؤثرون الراحة في معالجة المرضى ويتجاهلون العلاج النفسي غير الدوائي لطول مدته وارتفاع تكاليفه.

وثاني هذه المصادر الشرعية «بعض» الصيادلة الذين يتجاوزون في صرف الوصفة الواحدة لأكثر من مرة رغم انتهاء تاريخها، أو أنهم يحصلون من المورد أو من مصادر أخرى على كميات إضافية من الأدوية يبيعونها في الصيدليات لحسابهم الخاص دون أن تظهر في السجلات. ورغم ثقتي بصرامة إجراءات وزارة الصحة في ضبط وصف وصرف هذه الأدوية إلا أنني آمل بالمزيد خصوصا بالنسبة لأطباء المستشفيات الخاصة والعيادات الطبية المستقلة فقد أصبحت بعضها وبعض أطبائها مشهورين بالتساهل في الوصف والصرف. أما الكميات التي تصرف للصيدليات فيمكن التحكم بها من المصدر أو قصر صرف بعض الأدوية على صيدليات أو فروع صيدليات معينة دون غيرها لتسهل مراقبتها. ويبقى أن نشير إلى أن الأمير خالد الفيصل وجه مشكورا بتشكيل لجنة من ذوي الاختصاص لتنظيم الحملة التوعوية ومتابعة فعالياتها تحت إشراف وكيل الإمارة للشؤون الأمنية الأمير سعود بن جلوي الذي نتمنى له كل التوفيق والنجاح في مهمته الوطنية. ومع بقاء شرف السبق والمبادرة لسمو أمير منطقة مكة المكرمة وسمو وكيله للشؤون الأمنية، نأمل أن تلتقط وزارة الصحة المبادرة وتدعمها بالموارد والكفاءات لتتحول إلى مبادرة على المستوى الوطني لصيانة ووقاية المواطنين من خطر أصبح داهما ويمثل تهديدا أمنيا وإنسانيا لا يقل عن تهديد المخدرات.