-A +A
سعيد السريحي
يبدو أن المياه العذبة التي لا تكاد تسد احتياجات المواطنين أصبحت قادرة على سد حاجة البعوض الناقل لحمى الضنك، إذ وجد فيها مرتعا خصبا للتكاثر والتوالد، يطير منها ويعود إليها، كما وجد فيها مكانا ملائما يمكنه من تحوير نفسه جينيا كي يتمكن من كسر حاجز المناعة التي تحققت لمن أصابتهم حمى الضنك من قبل فيتمكن من إصابتهم بها مرة ثانية.

يشهد على ذلك أن عدد الإصابات في أربعة أحياء فقط في مدينة جدة بلغت ٤١٠٠ حالة خلال العام المنصرم، وتبشر الأشهر القادمة، التي قالت وزارة الصحة إن الإصابات تتركز فيها، بمزيد من الضحايا سواء، ممن يصابون به لأول مرة أو ممن سبق لهم الإصابة به بعد أن تمكن البعوض من تطوير أدائه فتحور جينيا، بينما أداء كافة المؤسسات والأجهزة التي أعلنت حربا شاملة على بعوض الضنك لم يتطور أو يتحور، وبقي البعوض هو المنتصر في الحرب الدائرة بينه وبين هذه الأجهزة منذ سنوات.


الأحياء الأربعة التي بلغت الإصابة بالضنك فيها آلاف الإصابات خلال عام واحد فقط مثلها مثل بقية أحياء جدة لا توجد فيها أنهار ولا بحيرات ولا آبار مثل كثير من المدن والدول التي لم يجد البعوض في بحيراتها وأنهارها ومنابع المياه فيها مكانا للتكاثر، ولا يعرفون عن الضنك شيئا إلا إذا قرأوا عنه في تقارير وزارة الصحة لدينا أو عرفوا عن ضحاياه من بيننا، كل تلك البحيرات والأنهار لم تمنح البعوض الناقل لحمى الضنك فرصة للتوالد والتكاثر والتحور في تلك الدول والمدن، ما يثير تساؤلا عن تلك المياه الخفية والعذبة التي يجد فيها البعوض مأواه لدينا، وهل بقايا المياه المنسابة من أجهزة التكييف وغسيل السيارات كفيلة بتوفير بيئة لا توفرها الأنهار والبحيرات؟

البرامج التي تعلن عنها الأمانات ووزارة الصحة لا تكاد تحصى، والمبالغ التي تم رصدها لمكافحة بعوض الضنك بلغت المليارات. والحرب دائرة منذ سنوات، والضحايا يتكاثرون، والمسألة برمتها تطرح جملة من الأسئلة، كفيل بكل سؤال فيها أن يطرح المسؤولين عن مكافحة الضنك، أو يفرض عليهم إقامة جبرية في واحد من الأحياء الأربعة في جدة والذي اجتاح الضنك ٤١٠٠ مواطن ومقيم فيها خلال عام واحد.