-A +A
محمد أحمد الحساني
يتمتع القضاء في بلادنا وفي غيرها من بلاد الدنيا التي تُؤمن بأهمية هذا الجهاز في حياتها، لأنه أداة لتحقيق العدالة وإقامة العدل، يتمتع بالاستقلالية التي تجعل أحكامه محمية من الضغوط والتدخلات الهادفة إلى النيل من تلك الاستقلالية، ولكن تولد عند بعض الناس فهم غير سليم بأن الاستقلالية هي للقاضي نفسه، ومثل هذا الفهم لا يستقيم مع قيم العدالة والحق، لأن القضاة بشر يجوز عليهم ما يجوز على غيرهم من الذين يتولون إدارة شأن عام، من قصور وعدم حيادية وخضوع للهوى وإهمال في أداء الواجب وغلظة في التعامل مع المراجعين من أصحاب القضايا، ولذلك سنت الدولة أنظمة لمحاسبة القضاة الذين تسجل ضدهم ملاحظات خلال عملهم القضائي، وكان آخر ما أنشئ في هذا المجال إدارة التفتيش القضائي التابعة للمجلس الأعلى للقضاء الذي بدأ ينفذ برنامجاً إلكترونيا لمتابعة أداء القضاة ومستوى إنجازهم لمهامهم القضائية وضبط الأمور في دور العدالة في المملكة.

وقد لفت نظري خبر قرأته في جريدة مكة عن إصدار معالي وزير العدل رئيس المجلس الأعلى للقضاء الدكتور وليد الصمعاني قراراً بإحالة رئيس محكمة كبرى وثلاثة من القضاة للتحقيق الموسع معهم بعد تسجيل ملاحظات عليهم كان منها حسب الخبر المنشور عدم الالتزام بأوقات الدوام الرسمي، ومخالفة الأنظمة والتعليمات المنظمة لإجراءات القضايا، وتأخر البت في القضايا التي تنظرها المحكمة ورفض رئيس المحكمة استقبال المراجعين في مكتبه.


والحقيقة أن هذه الملاحظات التي سجلت ضد القضاة الأربعة بمن فيهم رئيس المحكمة الكبرى وكانت وراء إحالتهم للتحقيق الموسع هي ملاحظات قوية جداً وتقدح في مستوى أدائهم لمهامهم القضائية وتجعلهم غير جديرين بالأمانة التي حملها إياهم ولاة الأمر الكرام، ولذلك فإني أوجه التحية الخالصة إلى معالي رئيس المجلس وزير العدل وإلى العاملين في إدارة التفتيش القضائي على رصدهم لهذ المخالفات الفادحة التي تسبب في ضياع الحقوق وإطالة أمد النظر في القضايا وزيادة رقعة التسبب في الدوام الرسمي في المحكمة، ولعل ما كشفته إدارة التفتيش في المجلس من المخالفات في المحكمة المذكورة قد يكون له نظائر وأشباه في محاكم أخرى، ولذا فإن الطريق طويل وشاق أمامها لضبط الأداء في المحاكم في جميع أنواعها وتخصصاتها، لأن أي خلل ولو كان غير مقصود في أداء القضاة قد يؤدي إلى مظالم عظيمة وضياع للحقوق وزرع للأحقاد والضغائن بين المتخاصمين، لاسيما الذين يشعرون أن التسيب القضائي قد كان وراءه إضاعة حقوقهم، متمنياً من جميع قضانا الكرام ألا ينطبق عليهم قول امرأة ظلمت فقالت في ذلك أبيات شعر موجهة لمن ظلمها:

انطق بِحكُمك لا خوفٌ ولا وجلُ

ولا حياءُ ولا أَخلاقُ أو خجلُ

انطق بحكمك لا ربٌّ تُراقِبهُ

ولا يُخيفُكَ يومُ الحشرِ والأجلُ

وسوف تُسألُ عن إفكٍ حكمتَ بهِ

ماذا تقولُ وذاك الموقِف الجللُ؟!

إن كنتَ تؤمنُ بالرحمنِ تعبدُهُ

على الحقيقةِ.. أين العدلُ والمُثُلُ؟!