-A +A
إدريس الدريس
التصنيف ينصرف أحياناً للتمييز بين البشر وأحياناً أخرى للتعريف بالشخص، لكنه أحياناً ينصرف للإقصاء ويتم على أساسٍ عنصري وطائفي.

في السنوات الماضية كثر التشابه في أسماء الأبناء في الأسرة الواحدة (ولا زال الأمر مستمراً وإن على نحو أقل)، فكان الكثير يسمون أبناءهم على آبائهم وهكذا كانت تتكرر الأسماء الأولية في العائلة الواحدة مما يوقع الآخرين في مشكلة تمييز المقصود، ومن هنا كان الاضطرار لاستخدام «العيارة» أو اللقب والتي غالباً تختار صفة انفرادية تميز الشخص ويستدل بها عليه، وذلك بسبب اشتراك عدة أشخاص في نفس الاسم، ولهذا كان يستعان «بالعيارة» أو اللقب للاستدلال على الشخص المقصود، لكن هذا لا ينفي أن الألقاب أو العيايير كانت تتم أحياناً بدافع السخرية أو الشتيمة أو التمليح أو حتى الثناء ومن ذلك الصفات الشكلية، ولهذا تم تمييز بعض الأشخاص بصفاتهم الخاصة مثل عوير وهو كريم العين، وخريش المصاب بالجدري والأصقه والطويل والقزم، وقد يكنى بصفة نابعة من سلوكه مثل الفاهي وهو الشخص البارد، وكذلك القعيطي وهو البخيل، أو المرجوج وهو المتهور، أو الذيب وهو الفطن، وهذه الصفات كانت هي الــ PASSWORD أو المفتاح السري للشخص المطلوب عندما يتم الحديث عن شخص بعينه فيقع الخلط، ولذلك يتم حينها اللجوء إلى الصفة الغالبة والطاغية سواء كانت شكلية أم سلوكية.


كان ذلك يحدث في السابق بسبب الاضطرار، لكن الناس مؤخراً زادوا في تحزبهم وتمترسهم خلف تصنيفات يراد بها النيل من الآخر بحسب موقف المتكلم وبحسب الفسطاط الذي ينضوي تحته والذي من بعده يصبح إما ليبرالياً وعلمانياً وتغريبياً أو جامياً وسرورياً أو سلفياً، وقد يتعالى التصنيف ليدخل في خانة الطائفية، فهذا سني ووهابي، وهذا شيعي وصفوي، ومع تفشي الطائفية مؤخراً فقد زادت وتيرة التقسيمات في مزاد التصنيف في حين اقتصرت في الماضي على الانضواء السياسي تحت مظلة الإمبريالي (الحليف الأمريكي) أو تحت مظلة الشيوعي (الحليف السوفيتي)، والتحزب في العموم هو سبب سطوة الرأي الواحد من خلال انفراده بالصح واتهام غيره من الآخرين بالخطأ، ومعلوم أنه كلما دخلت هذه الآفة من النافذة كلما خرج التسامح من الباب وهكذا يتفشى منهج الإقصاء والتشدد والزعم بامتلاك الحقيقة المطلقة وما ينبني بسببها من التصادم من منطلق أنك إن لم تكن معي فأنت ضدي، مع أن القرآن الكريم وهو دستور هؤلاء الناس هو الذي أكد في محكم آياته على ديمومة ومنطقية حق الاختلاف بين البشر وهذا من علم الله الأزلي كما في الآية الكريمة (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك)، وقوله لذلك خلقهم تعني – كما أفهم – أنه خلقهم مختلفين، وتعني أيضاً أن الاختلاف بين الناس حتمي كما هي مشيئة الله بما يوجب – طالما الأمر كذلك – التوافق والانسجام مع هذه الحقيقة والتسليم بالاختلاف والتعايش مع الناس وفق الاحتياج البشري والنفعي دون التصادم مع الآخر أو قسره على ترك قناعاته لمجرد رغبتك في أن يجاريك في قناعاتك، وذلك انطلاقاً من التسليم أيضاً بأن كل من تبنى عقيدة ما فإنه سيرى أنه على المحجة البيضاء وأن ما عنده هو الحق وما سواه هو الباطل وهذا ما يحتم علينا التعايش انطلاقاً من قوله تعالى (لكم دينكم ولي دين).

هكذا سأظل موقناً أنني على المحجة البيضاء ما حييت، لكنني سأترك للآخر أن يتكيف وينسجم مع قناعاته وما تشربه في طفولته وما وقر عليه عقله وقلبه ولا يجب أن أكون في وارد ملاحقته واتهامه بالباطل فله ما شاء من قناعة ولي حقي فيما نشأت عليه من قناعة.