-A +A
عبدالرحمن اللاحم
قد تكون عبارة (الناس متساوون كأسنان المشط) من أكثر العبارات التي رددناها صغارا وكبارا، وإن كان لا يصح رفعها للنبي صلى الله عليه وسلم؛ إلا أن قواعد الشريعة جاءت مؤكدة على ذات المعنى ومعززة له، وأثبتت سيرة المصطفى عليه السلام والصحابة والتابعين أن الناس سواسية تحت شريعة الإسلام، لا يمكن أن يميز أحد على أحد، خصوصا أمام النص الشرعي، فلا حصانة لأحد في إيقاع العقوبة متى ما اقترف جريمة فيها حد أو تعزير، وقد أقيمت الحدود والتعازير على الصحابة الذين هم من أفضل الخلق، ولم يحصنهم ذلك من الخضوع لحكم الشريعة، ولم يقل أحد إنهم من (ذوي الهيئات) فيجب أن تغفر زلاتهم وعثراتهم، لأن الصحابة يومها سمعوا نبيهم عليه الصلاة والسلام يقول لهم ولمن جاء بعدهم (والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، وفاطمة بنت محمد لو أن هناك حصانة لذوي الهيئات؛ لكانت أولى به من غيرها، فهذا النص جامع مانع لا يشمل الحدود فحسب، وإنما هو قاعدة شرعية محكمة تمثل الركيزة الأساسية في النظام الجزائي في الإسلام وتؤكد على أن الجميع متساوون أمام النص الشرعي سواء كانوا من ذوي الهيئات أو منّا معاشر العوام الذين لا هيئات لنا.

هذه القيم العظيمة يتناساها الإخوة الغلاة، ويحاولون أن يجدوا لهم حصانة من نوع خاص، تحول بينهم وبين المساءلة حتى يكونوا أحرارا في الولوغ في أعراض الناس وهم آمنون بأن لا أحد سيسألهم ولا أحد سيجرهم للعدالة، ويستبسلون في الدفاع عن فكرة الحصانة مع أنهم يزعمون أنهم يدافعون عن الدين والفضيلة، وهم لا يعلمون أنهم بذلك ينخرون في جسد الشريعة ويسيئون إليها بجهلهم وتحزبهم، وللأسف أنهم ينشرون هذا الغثاء على المنابر وفي وسائل التواصل الاجتماعي ويقرؤها ويسمعها أبناؤنا ويعتقدون أن هذا هو الدين وتلك قواعده، ونفاجأ بعد عقود من الدهر بأن جيلا من الشباب قد تشكّل وعيه على دين غريب عنا لا نعرفه، لأننا تركنا المتشدد الجاهل يقف على منبر رسول الله ويشوه دين الله دون أن نصرخ في وجهه بأنه كاذب متقول على الله ورسوله.