-A +A
محمد آل سلطان
بغض النظر عن أسعار «النفط» وارتفاعه وهبوطه فقد تكونت لدى القيادة السعودية الرشيدة من خلال استشعارها للمسؤولية قناعة تامة ورغبة وحاجة ماسة لمصلحة اقتصادها وشعبها وأجيالها القادمة أن الوقت «أنسب» الآن وقد يكون «أصعب» غداً في استثمار نقاط قوتها الحالية ووضعها المالي الجيد حالياً، وتغيير أسلوب إدارتها الاقتصادية للانطلاق لآفاق تنموية أرحب لمواجهة التحديات الطارئة والمستقبلية وبناء اقتصاد قوي ومتنوع لا يرتهن لأسعار البترول صعوداً وهبوطاً ويحتفظ بقدرته على النمو والاستقرار بغض النظر عن بقاء أهمية البترول أو تقلبات أسعاره ارتفاعاً وهبوطاً.

إن استمرار «الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع» على النهج ذاته السائد في العقود الماضية والذي يمكن تلخيصه اختصاراً أن الحكومة تتولى الإنفاق وتزيد من معدلاته حسب ارتفاع أسعار «النفط» وتخلق معدلات نمو عالية وفقاً لنموذج تشغيلي حكومي لا يعتمد على قواعد «الإنتاج والتنافسية» في القطاع الخاص والموارد البشرية الوطنية ثم تقلص هذا الإنفاق تبعاً لهبوط أسعار النفط وتستنفد احتياطياتها النقدية وترفع سقف دينها بمعدلات خطيرة حتى تفي بالتزاماتها الإنفاقية بنموذج العمل السائد القائم على «الإنفاق الحكومي المباشر»، وتبقي على الفرص ذاتها والاختلالات الهيكلية في عملها وتأثيرها على القطاع الخاص والمجتمع فإن هذا يعرض التنمية والاقتصاد والمجتمع في بلادنا حتماً لمخاطر عالية، وتصبح قدرتنا فيها على التحمل أقل بالتأكيد بالنظر إلى حاجتنا إلى الاحتفاظ بمستوى العيش الكريم وتنميته لنا وللأجيال القادمة، وبالتالي فإن المسؤولية تحتم على الحكومة وهي في وضع مالي لابأس به الآن أن تنتهج أفضل السياسات التي تكفل العدالة بين الأجيال من خلال ضمان حماية الاقتصاد والميزانية السعودية من تقلبات أسعار النفط والاحتفاظ بمعدلات نمو مستقرة. وفي مساعدة الاقتصاد السعودي على تنويع قاعدة ونشاطاته حتى يقل اعتماده على إيرادات النفط في منهج جديد تبنى فيه «السعودية القوية» حكومة ومجتمعاً وقطاعاً خاصاً ليس لمجابهة التحديات الحالية بل للاستفادة من مكامن القوة في الاقتصاد السعودي القادم وتحريره من عقدة النفط الذي قد تتدنى أسعاره أو ينضب في أقل من 70 عاماً، حسب ما أشارت إليه بعض الدراسات أو تنتفي الحاجة إليه بعد التقدم العلمي نحو إيجاد بدائل طاقة أخرى.


ولذلك يبدو أن الحكومة جادة هذه المرة في فطام نفسها واقتصادها ومجتمعها عن مورد أنعم الله به على هذه البلاد كان ومازال وفياً معنا ومنحنا فرصة تاريخية لم تمنحها إلا قليلاً من الدول والشعوب لتنمية حاضرها وتطوير مستقبلها وتسليم جيل الأبناء اقتصاداً حيوياً يشكرون الآباء عليه.