-A +A
حمود أبو طالب
جدة على موعد اليوم مع مهرجان هي جديرة به وهو يليق بها. مهرجان الفكر والثقافة والأدب. مهرجان الحرف الذي كاد يندثر في المواجهة الشرسة وغير العادلة مع الأرقام، أرقام المال والمليارات التي طغت على جدة كما غيرها من مدن المملكة، دون أناقة ولا فخامة في منتجاتها كما هي في مدن العالم الكبرى، التي رغم رأسماليتها الشرسة لم تهمل الإبداع الإنساني، ولم تتنكر للثقافة والفنون بكل أشكالها.

جدة، هذه الجميلة رغم بعض التشوهات، تظل جميلة وحالمة بالأجمل. العام الماضي كان تدشين معرض الكتاب الدولي الأول على شاطئها احتفالية شعبية مبهرة استمرت طوال أيام المعرض، وأنست الناس لبعض الوقت حسرتهم على بحرها المغتصب وشاطئها المنهوب، كانوا يتدفقون على مقر المعرض ويديرون ظهورهم للشاطئ، لعل في حروف الكتب ما يواسيهم. جدة مدينة البهجة والفن والفكر والثقافة احتفلت بشكل غير عادي بالمعرض الأول وكأنها غريبة على الكتاب، وهي ليست كذلك، وإنما تم تحييدها كغيرها عن كل مكونات علاقتها العريقة بالتفاصيل الإنسانية الحميمة والجماليات المتأصلة فيها. تحولت إلى مدينة جافة، ضيقة الصدر، متقلبة المزاج، ليس فيها غير الضجيج والكدر، وكلما استعادت ماضيها انكفأت على نفسها وذرفت دموعها. جدة التي أكد حمزة شحاتة أن الهوى فيها حالم لا يفيق، وتغلغل بدر بن عبدالمحسن في كل تفاصيلها الحميمة في أغنية العروس للفنان محمد عبده، وقبلهما وبعدهما قال فيها وعنها الكثير، أصبحت بلا غناء، بلا فن، بلا كتاب، بلا مسرح، بلا بهجة، بلا شيء سوى استحلاب جيوب الغلابا الباحثين عن وهم بلحظة استرخاء مقابل الكثير من المال الذي أصبح لغة جدة، بدلاً من لغة الفن والجمال والأدب. ماذا لو استقام بجانب موقع معرض الكتاب صرح فخم اسمه «دار أوبرا جدة». ماذا لو أنشئ على كورنيشها أو في أحد شوارعها الكبرى مسرح جميل حديث يؤمه الناس للاستمتاع بسيد الفنون الذي يوجد لدينا من يجيد كل احتياجاته، كتابة وأداءً وإخراجا. ماذا لو حققنا أحلام المخرجين السينمائيين السعوديين الذين وصلت أفلامهم للعالمية بإنشاء دور عرض، أليس مخجلا أن يقول مخرج سعودي لزملائه الأجانب إنه لا يستطيع عرض أعماله لأن السينما ممنوعة، وأليس معيباً ومحزنا لنا جميعا عندما رأينا احتفالية أوبرا الكويت بفنوننا وفنانينا ونحن لا نستطيع ذلك في وطننا ووطنهم.


تخيلوا هذه الـ «جدة» عندما توجد فيها مثل هذه المنظومة الباعثة للإقبال على الحياة، أوبرا، مسرح، دور عرض سينمائية، بالإضافة إلى احتواء مهرجانات عالمية في كل الجوانب الثقافية والاقتصادية والفنية. تخيلوا كيف ستكون جدة؟.