-A +A
عزيزة المانع
من العبارات التي تشيع على ألسنة الناس عند الحديث عمن كبر ولم يتزوج، أنه فاته قطار الزواج، وأكثر ما يرد ذلك القول عند ذكر النساء، ربما لأن نسبة غير المتزوجات منهن أكبر من نسبة الرجال، أو ربما لأن النساء يتوقع منهن أن يقضين زهرة شبابهن انتظارا في محطة ذلك القطار، عسى أن يحملهن يوما إلى عالم الزواج الذي قد يكون سعيدا وقد لا يكون. أما إن هن تأخرن عن الوصول إلى تلك المحطة، أو قررن عدم تضييع وقتهن في الانتظار فابتعدن منشغلات بما يرينه أجدى، فإن القطار قد يجيء في غيابهن ويحمل معه من يحمل من الفتيات الصابرات المرابطات في محطته، ثم يرحل بدونهن.

قطار الزواج ليس هو القطار الوحيد الذي يعبر حياة الناس، فالقطارات التي تمر بحياتهم كثيرة، وكل قطار منها له مواصفاته الخاصة وألوانه التي تميزه عن غيره، فإلى جانب قطار الزواج الذي يتصف بأنه لا يتوقف طويلا في المحطة وأن على من أراد امتطاءه أن يرابط بإخلاص في محطته انتظارا لقدومه وأن يكون متأهبا لركوبه على وجه السرعة وإلا فإنه سيفوته منطلقا بدونه.


هناك قطار التقاعد عن العمل، الذي من صفته أنه يأتـي متسللا بلا ضجيج يحمل عنصر المفاجأة على ظهره، ومن لم يكن متوقعا وصوله مستعدا للارتحال معه فإنه قد يجد نفسه في رحلة تعيسة، تطول أو تقصر بلا زاد ولا مؤنس، فهو قطار مظلم حالك السواد ملوث بفيروسات الاكتئاب واليأس، وكثيرون ممن يمتطونه لا يعيشون طويلا.

وهناك أيضا قطار العمر، الذي يتصف بالسرعة في العبور، ومن لم يتعلم كيف يستثمر سنين حياته في زراعة حدائق ذات ثمر وعطاء، فإنه قد يجد قطار العمر رحل به سريعا وألقاه وسط صحراء السنين الجرداء، بلا سنابل مثمرة تظله من شمس الخريف، ولا قلوب محبة يستدفئ بها من برد الشتاء، ولا ذكريات عذبة تروي عطشه وترطب جفاف سنينه.

أخيرا، (ولا يهون) هناك قطار الموت، فهذا القطار يتصف بكراهية الجميع له وعزوف كل أحد عن امتطائه، لكنه مع ذلك يكتظ دائما بالركاب، فهو قطار حاسم لا يتوقف ولا يتأخر، يخطف ركابه رغم أنوفهم، ويظل يطارد الهاربين منهم والرافضين الركوب فيحاصرهم فلا يجدون مفرا من الاستسلام والصعود إلى حيث يكرهون.