-A +A
عزيزة المانع
علي الأمير، شاعر وناثر من السعودية، عاش في اليمن مدة من الزمن طالبا في جامعة صنعاء، ثم معلما موفدا من المملكة للعمل في مدارسها، وخلال هذه المدة تسنى له الاقتراب من اليمن بكل ما فيها من التفاصيل، صدر له هذا العام كتاب بعنوان (صنعاء، تأويل الغيم، وسورات النرجس)، ضمنه شيئا من مشاهداته وخبراته هناك.

يفتتح المؤلف كتابه بمقدمة تقطر أسى للحال المؤلمة التي وصل إليها اليمنيون، ومعاناتهم البالغة من أذى الفتنة القائمة، وقسوة ما يعيشونه من التقاتل بينهم، فيقول ساخرا بمرارة: «صاروا يتغنون بانتصاراتهم على أهلهم في صنعاء وعدن وتعز وكل المحافظات اليمنية». إلا أنه مع ذلك، يذكر أن مضمون كتابه يتجاوز أحداث الحرب وينحصر في الحديث عن صنعاء الماضي، صنعاء ما قبل زمن الحرب.


الكتاب ممتع جدا، وأسلوبه جميل وجذاب، هو أقرب إلى كتب الرحلات، فالمؤلف يصحبك معه حيث يسير، وفي كل فصل من فصول الكتاب تخوض معه مغامرة تجعل دقات قلبك تتسارع إما خوفا، وإما أنسا وطربا.

في أحد فصول الكتاب يأخذك المؤلف معه في رحلته البرية من جيزان إلى صنعاء ليجعلك تشاركه متعة الجمال البيئي، والسيارة تتهادى متسلقة جبال العقبة تلفها سحائب الضباب، ثم تنحدر لتلاقي شلالات (عين علي) ومن حولها أشجار البن العملاقة تبث أريجها في المكان، لكن هذا الجمال الطبيعي ما يلبث أن يشوهه ما يشوب اليمن من غياب للأمن، فقطع الطريق في اليمن ليلا بلا سلاح، مغامرة معجونة بالخطورة.

وكما شاركت المؤلف الإحساس بجمال الطريق عليك أن تشاركه مشاعر الفزع التي نبتت كالشوك في حلقه حين (بنشر) عليه إطار السيارة وهو يمتطي الجبل وأسفل منه واد مخيف كاسمه (وادي شرس)، سيارة معطلة، في ليل مظلم، ومكان يعج بقطاع الطرق، وبلا سلاح، ولا خبرة في تغيير الإطار، وفي داخل السيارة زوجة تكاد يغمى عليها من الرعب!

في فصل آخر يصحبك إلى مدينة (أرحب) لترى أعجب سوق تعرفه المدن، سوق السلاح المفتوحة للجميع، حيث يمكنك في هذا السوق أن تشتري الرشاشات والألغام والقنابل والدبابات، بالسهولة التي تشتري بها زجاجات الماء. وفي أرحب أيضا يمكنك زيارة بعض المناطق الأثرية مثل (صرواح) التي تحوي آثارا لمدينة مدر القديمة بمعابدها الأثرية التي يقال إنها ترجع إلى ما قبل الميلاد. وليست أرحب وحدها التي تضم آثارا مما قبل التاريخ، فمنطقة إب في اليمن هي أيضا تحوي آثارا لبعض الحضارات القديمة مثل مملكة حمير في مدينة ظفار التي يوجد فيها متحف ظفار الذي يتحدث عن تلك الدولة التاريخية.

ومن ظفار يمكنك أن تنتقل إلى مدينة جبلة، التي استمدت شهرتها من كونها عاصمة للدولة الصليحية في القرن الخامس الهجري، وكانت تحكمها امرأة عرفها التاريخ باسم أروى بنت أحمد الصليحي، واستمرت في الحكم 53 عاما!

اليمن شبه مجهولة لكثيرين منا، تتوقف معرفتنا بها عند صورة اليمني البائع أو العامل الذي يسعى وراء طلب رزقه في بلادنا، ولم يكن هناك ما يحفزنا على القراءة عنها والغوص داخلها لاستكشاف أسرار الحياة فيها. لكن هذا الكتاب يضع اليمن أمام عين القارئ بكل تفاصيل الحياة داخلها ويعرض ذلك بأسلوب خفيف يمزج بين المعرفة والطرافة.