-A +A
حمود أبو طالب
من أخطائنا البارزة والمستمرة أننا نتعامل مع أي مشكلة من زاوية ضيقة ورؤية محدودة تركز على الجهة ذات العلاقة أو المسؤولية المباشرة عن المشكلة بحكم اختصاصها، لكننا ننسى أو نتناسى أو لا نريد أن نستوعب أنه لا توجد مشكلة كبيرة ومزمنة يمكن لجهة واحدة حلها دون دعم ومشاركة جهات أخرى، إما بالتخطيط أو توفير الأطر القانونية والإدارية والرقابية وغيرها من أشكال المشاركة والدعم، خصوصا عندما تكون المشكلة متعددة الأسباب ومتشعبة الجوانب، ويوجد مستفيدون من استمرارها تتضافر جهودهم لمواجهة جهة وحيدة تحمل كل العبء. وهذا القول لا يعني أبداً تبرئة أي جهة من تقصيرها في حدود واجباتها ومسؤولياتها والتزاماتها، ولكن لا يصح إلقاء اللوم عليها وحدها عندما توجد جهات أخرى تتحمل جزءاً مهما من المسؤولية لكنها لا تفعل.

نحن نحاول الحديث هنا عن أهمية العمل المؤسسي الجماعي المتناغم الصحيح الذي يهدف لتحقيق مصلحة الوطن وتخليصه من بعض المشكلات الجوهرية، وليس العمل المنفرد لكل جهة بمعزل عن الأخرى. وكمثال على ذلك هل من المنطق أن نضع المسؤولية بأكملها على وزارة العمل وحدها عندما نعلم أن نسبة البطالة ارتفعت خلال هذا العام وزادت نسبة الاستقدام بشكل غير مبرر ولا معقول، وارتفعت ظاهرة السعودة الوهمية، وتعقدت مشكلة العمالة الوطنية. هذه المشكلة موجودة أمامنا منذ زمن طويل، وهي مشكلة وطنية شاملة لا تستطيع وزارة بمفردها إنهاءها، ولا يصح أن نتوقع ذلك منها، وعندما تكون المشكلة بهذا الحجم وهذا التعقيد وهذا الضرر المتزايد فإنها مسؤولية وطنية شاملة يجب أن تشترك فيها جهات عديدة وعلى كل المستويات.


وطالما نحن نتحدث عن هذه القضية كمثال، أين وزارة التخطيط والاقتصاد كجهة مسؤولة بشكل مباشر عن مشاركة بقية الوزارات في خططها وبرامجها. أين وزارة التجارة والصناعة وهي المسؤولة عن الإشراف على الكيانات التجارية والصناعية التي تسعود وهميا وتستقدم العمالة الأجنبية الرديئة وتدير ظهرها للعمالة الوطنية الجيدة. أين الهيئات الاستشارية الحكومية وخبراؤها، أين الجهات القانونية والرقابية التي تستطيع محاصرة التلاعب بهذا الملف الحساس على حساب مصلحة الوطن. أين العقوبات الصارمة التي تجعل أي جهة مهما كان نفوذها تفكر ألف مرة عندما تريد الالتفاف على الأنظمة بأي وسيلة ممكنة دون اعتبار للضرر المترتب على ذلك للمواطن الذي له حق العمل في وطنه عندما يكون مؤهلا.

الرؤية الوطنية لا تتحقق يا إخواننا في أي مجال طالما كل جهة تنظر من زاويتها وبعينها فقط، وطالما نحن نعمل بشكل فردي منعزل. إنها ممكنة، وممكن تجاوز كل المشكلات المتراكمة أمامها عندما ينظر الجميع إلى أي مشكلة باعتبارها مشكلة الجميع، وإلا فإن المشكلة التي نتحدث عنها اليوم سنتحدث عنها بعد أعوام عندما تكون أسوأ مما كانت.

نريدها أوركسترا وطنية متناغمة وليس عزفاً منفرداً ونشازاً.