-A +A
هاني الظاهري
مؤسف بحق أن يتحول المجال الثقافي إلى ساحة ابتزاز للجهات الرسمية من قبل بعض المثقفين الذين فقدوا قيمتهم الوهمية مع ثورة الاتصالات خلال العقدين الماضيين.. مؤسف ومعيب أن يهاجم شخص وزارة ووزيرها لمجرد أنها لم توجه له دعوة لحضور مؤتمر أدبي معتقدا أن مسيرة الأدب والثقافة توقفت عنده دون غيره، كما فعل الناقد السعودي الدكتور عبدالله الغذامي قبل أيام لأنه لم يدع إلى مؤتمر الأدباء الذي نظمته وزارة الثقافة والإعلام أخيرا.

عام 2010 نشرتُ مقالة عن عشق (الغذامي) الجنوني للتصفيق والشعبوية وأجد أن من المناسب التطرق لمحتواها هنا ليفهم من استغربوا موقفه الأخير من وزارة الثقافة والإعلام، المسألة بشكل أوضح عبر الوقوف على تحولاته التي تكشف عن أيديولوجيا جديدة تبناها هذا الناقد.


الأديب والمفكر العربي المعروف أدونيس وصف الغذامي قبل أكثر من عقد بأنه لا يقدم خطاباً ثقافياً يستحق المتابعة، وأكد كذلك أنه مجرد «إمام مسجد» لا يزال يعيش في الإطار التقليدي للتفكير، وهذا ما يمكن وصفه بالنبوءة الجديرة بالتأمل، خصوصاً أن الكثير من المهتمين بالشأن الثقافي عارضوا أدونيس آنذاك، لكن معظمهم اتفقوا معه لاحقا على صحة ما ذكر بعد أن تحول الغذامي إلى «فتوة» يستمتع بهتافات الصحويين من خلفه إثر محاضرة ألقاها عن الليبرالية عام 2010 و(ضربت جماهيريا).

والحق يقال إن الغذامي لم يكن في يوم من الأيام أديباً مبدعاً كزملائه الروائيين والشعراء، بل إنه بعد فورة الحداثة الأدبية في السعودية أصدر أحد أسوأ الأعمال السردية في تلك المرحلة تحت عنوان «حكاية سحارة»، محاولاً الظهور كروائي وهو ما تناساه سريعاً نتيجة الأصداء المخيبة التي لاقاها العمل.

أن تكون «ناقداً» في العالم العربي فذلك يعني أنك لن تحتاج إلى موهبة خارقة، وبالتالي لن يستنكر أحد أن تنشر صورتك بجوار صور رموز الشعر والرواية في الملاحق الأدبية وتتحول آلياً لرمز مثلهم، وسيكون ذلك جميلاً إن لم تشطح خارج مجالك وتركب موجة أخرى بين فترة وأختها، محاولاً الاقتداء بزهرة «دوّار الشمس» التي تستشرف الضوء أينما وجد.

الغذامي الذي هاجم بسلطة النقد أو سَلَطته (بفتح السين واللام) الكثير من الأعمال الأدبية الرائعة ومؤلفيها من دون أسباب واضحة، الذي لم يخجل من تسطير عشرات الصفحات في التغني برواية «بنات الرياض»، التي تمثل في أفضل حالاتها «فضفضة بنات» لا يمكن أن تصمد أمام النقد الجاد، هو الغذامي نفسه الرمز الصحوي الذي أوضح قبل أعوام قليلة أنه اكتشف الليبرالية السعودية من خلال إحدى حلقات مسلسل «طاش ما طاش» وتنبه بحسه المميز في استشعار الضوء إلى أنها ميدان جديد لاستعادة البريق والهتافات أيام العز، فركب الموجة وحل ضيفاً على برنامج فضائي في قناة دينية متقمصاً دور «دون كيشوت» بشكل مضحك، جعل أحد ضيوف البرنامج من الإسلاميين الحركيين يمنحه صك براءة من زيارة السفارات، ليتنفس الصعداء، متخيلاً أنه قائد أحد الفتوحات الإسلامية وتكبير المجاهدين يحيط به من كل اتجاه!

طوال 40 عاما لم يتغير الخطاب الصحوي العدائي تجاه وزارة الثقافة والإعلام، إذ كان ومازال يراها من أسباب بلاء الأمة وما إلى ذلك من ترهات أيديولوجية شاذة، ومن الطبيعي أن يتبنى هذا الموقف العدائي كل من يرغب في التقرب لجمهور الصحويين أو من أصبح من نجومهم بالفعل، وهذا هو الحال الذي وصل إليه بعض المثقفين للأسف ركضا وراء شعبوية زائفة بعد فشلهم في الحفاظ على نجومية زالت وفي مقدمتهم الدكتور الغذامي الذي نحترم شخصه بلا شك، لكننا نختلف مع مواقفه غير الأدبية!