-A +A
سعيد السريحي
حين تبلغ قضايا الخلاف بين المستأجرين وملاك المساكن نسبة ٢٢٪ من القضايا المنظورة أمام المحاكم فإن ذلك يعني أننا أمام مشكلة حقيقية لا تعطل نشاط القطاع الاستثماري في مجال السكن فحسب، وإنما تشكل إهدارا لوقت القضاء وإشغالا له عن النظر في قضايا أكثر أهمية وخطورة، وإذا ما علمنا، حسب التقرير الذي نشرته صحيفة المدينة أول أمس أن ما نسبته ٩٥٪ من هذه القضايا يكون الحق فيها لمالك المسكن الذي يحتاج إلى ما يقارب السنتين ليستوفي حقه من المستأجر المماطل كان لنا أن نرى في الاستثمار العقاري ضربا من المجازفة التي لا يستبعد أن يكون لها دور في ارتفاع الإيجارات مثلها مثل الدخول في عمليات تجارية لا تخلو من المجازفة.

ولم يكن لكل ذلك أن يحدث لو أن العلاقة بين المستأجرين وملاك المساكن تم ضبطها بعقود تحفظ لكل طرف من الطرفين حقوقه كاملة وتسهل وتحول دون استغلال أي طرف من الطرفين للآخر، كما تسهل إجراءات التقاضي فيما لو حدث بينهما ما يستدعي اللجوء للقضاء، وينبغى لهذه العقود أن تستند إلى معلومات موثقة عن الطرفين بحيث لا يكون تعاقدا بين مستأجر مجهول القدرة عن الوفاء بالتزاماته ومالك سكن غير مهتم بتوفير الصيانة ووسائل السلامة فيه.


وإذا ما أردنا أن نضرب مثالا على دقة العقود التي تبرم بين المستأجرين والملاك في بلد كفرنسا فإن علينا أن نعرف الإجراءات الدقيقة والمعقدة كذلك التي تسبق عملية التأجير والتي تتضمن إلى جانب التعريف بالمستأجر خطاب ضمان من جهة عمله يكفل للمالك وكذلك لجهة التقاضي استقطاع حقوق المالك من رواتب أو استحقاقات المستأجر لو ماطل في السداد، كما تتضمن كشفا بالحساب البنكي للمستأجر يؤكد ملاءته المالية ومقدرته على السداد، ويعقب ذلك كله اجتماع تعارف بين الطرفين يسبق الموافقة على عملية التأجير بناء على ما يتركه ذلك الاجتماع من انطباع.

وإذا ما بدت لنا هذه العملية معقدة فإن علينا أن نتذكر أن الإجراءات التي تحتاج سنتين من التقاضي والتي تشكل إهدارا لوقت أصحاب الحق وإشغالا لعمل القضاء لدينا هي أكثر تعقيدا وإهدارا للجهد والوقت والحقوق.