-A +A
مها الشهري
شهدنا ترامب يظهر للعالم وللأمريكان منذ عام مضى وعقب حادثة إطلاق النار في ولاية كالفورنيا وغيرها بخطاب يمكن وصفه بالخطاب المستفز، ومن الممكن تبريره كردة فعل لمخاوف العمليات الإرهابية وتهديد الأمن المجتمعي في أمريكا.

غالبا ما يوجه البعض تهمة العنصرية للآخر المختلف اختلافا بيولوجيا أو ثقافيا، بالرغم أنه لا يمكن لمجتمع ما أن يتبرأ تماما من هذه الصفات، فنحن نلاحظ تصرفات مطابقة لضدية الآخر وعنصريته لنا عندما يتعلق الأمر بالعمالة أو بالأقليات الأجنبية أو المذهبية أو الدينية، أو ما يتعلق بالمرأة وحقوقها، لذلك فالعنصرية تتموضع في أكثر المساحات من التعاملات اليومية، وهذا ليس خيارا لدى الناس وإنما هي طبيعة وسمة من سمات البشر، فالتفرقة لا تقتصر على أجناس محددة أو أسس دينية أو عرقية إنما قد يدخل التعصب في بعض حالاتها كصراع طبقي قياسا على مدى التأخر والتقدمية في المستوى الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي وقياسا على معايير وأساليب مختلفة للتفاضل.


لدى العالم الغربي فكرة لفهم الصراع بطبيعة الأجناس المتقدمة والأجناس المتخلفة، كما لدى العرب فكرة أخرى للمفاضلة، وعلى العكس من ذلك تماما، وفي كل فرصة من فرص الاختلاف يوجد مجال لتوظيف الخلاف وتقاذف الكراهية، بالتالي فمن الطبيعي أن يكون العالم الغربي عنصريا ضد كل صاحب مبدأ يعتقد أنه يحمل له نوعا من أنواع الكراهية أو يهدد أمنه بشكل ما، فكانت فكرة طرد المسلمين من أمريكا بسبب العنف الديني فكرة رائدة وقد رفعت من قيمة الترشيحات للرئاسة الأمريكية، بالمقابل فلم يسبق أن وجدنا أن دعاة الكراهية في مجتمعاتنا يقبلون النقاش في أطروحاتهم حتى إن بعض الدول لم تمنح الأفراد في مجتمعاتها حق تعدديتها وحماية حريتها الفكرية والدينية، ومع ذلك ستجد أن دعاة الكراهية ناجحون ومؤثرون في كل مكان أكثر من غيرهم من مبدأ تعاكس المصالح واستغلال النزعة القومية وبالنظر إلى قناعة المجتمع وتوجهه نحو فكرة يتوهم أنها تمس مصالحه.

كانت العنصرية في يوم ما موقفا فكريا حتى أصبحت سلوكا اجتماعيا وهي إحدى جنايات الفلسفة القومية لكثير من المجتمعات تبعا لتاريخها القومي ونزاعاتها وتراكماتها الثقافية والحضارية، والكثير من الدول بما فيها المفكرون والمنظرون أخذت في محاولة تعزيز مفهوم الانتماء القومي ليس بناء على تنوعه وإنما بمحاولة التفتيت والاندماج لكل عنصر ثقافي يتشكل كأقلية باعتبارها في بعض الآراء لا تشكل مصدرا للتنوع والثراء الحضاري.

هذه السياسات التي تنتهجها تلك الدول لا تحقق الصلاح للشعوب في الحقيقة، وإنما هي وسيلة لتحقيق أهداف يستأثر بمنافعها أصحاب الأموال والنفوذ فقط.