-A +A
عبده خال
مضى زمن قريب حين تم طمس كثيرٍ من الآثار الإسلامية في مدينتي مكة والمدينة؛ خشية التبرُّك بما مضى من آثار نبوية، واستغل القوم رفع شعار (سد الذرائع) لإزالة كثيرٍ من زمن الرسول والصحابة، ونحمد الله أن في ذلك الزمان كان هناك أناس مستنيرون استطاعوا إبعاد كثير من الآثار النبوية عن عيون (المحتسبين) و(المغالين) في أماكن سرية، وهؤلاء المستنيرون كانوا على يقين بمقدم زمن حضاري تعاد للآثار أهميتها في بلد فيه أول بيت وضع للناس، وهذا التأكيد الرباني يتضمن أن كل الأعراق التي مرت أو جاورت البيت العتيق كانت لها بصماتها الوجودية من آثار مادية أو معرفية، ونحن الآن في زمنٍ لا يرتهن لأي دليل قولي أكثر من ارتهانه للأثر المادي، ومدينتا مكة والمدينة حاضنتان لأثر مادي زاخر، ونحمد الله أننا نعيش في زمن أعاد التعظيم للأثر الحضاري المادي ومنحه قيمته الخالدة، لكي يلتحم مع الأثر التاريخي المكتوب.

وليس غائباً على الدارسين التهم المحلقة والزاحفة بأن ليس هناك أثر مادي يؤكد ما تقوله الكتب التاريخية المكتوبة عن كثير من تفاصيل الأحداث التي وقعت في المدينتين، وأنا هنا أحمد الله لوجود رجال مستنيرين حموا كثيراً من الآثار قبل نسفها أو إزالتها أو محوها، وأحمد الله أن جاء الزمن الذي نفاخر بالإرث المادي لهاتين المدينتين. ومناسبة هذا القول ما تم استعراضه من قبل دارة الملك عبدالعزيز عن أبرز المعلومات التاريخية عن الرواق العباسي بالمسجد الحرام، الذي شُيّد ضمن التوسعة التي أجريت للحرم المكي في القرن الخامس الهجري في زمن الخليفة العباسي المهدي. والجميل أن تجديد المسجد المكي وتوسعته الراهنة أخذَا في الحسبان المحافظة على الرواق العباسي وإدماجه في توسعة الحرم الحالية. وهذا فعل يدل على إدراك أهمية الأثر المادي، ويدل أيضاً على تراتبية الأزمان التي كان فيها المسجدان يحظيان بالاهتمام، وأعتقد أن هناك آثاراً مادية في المدينتين لم يكشف عنهما سابقاً للعهد العباسي، وهذا اليقين لسماعي عن أحاديث ميدانية قام بها مسؤولون لحماية الإرث النبوي من الطمس.


وأجزم أننا في زمنٍ حكيم يستوجب الآن الكشف عن تلك الآثار المادية وعرضها على الناس.. أجزم بهذا.