-A +A
طلال صالح بنان
اجتمع العربُ في جدة ١٩ مايو الجاري في القمة السنوية الثانية والثلاثين لهم، وصدر عن تلك القمة إعلان جدة. اللافت في هذه القمة، الذي يصل لدرجة الإبهار، ذلك الحضور الطاغي للمملكة العربية السعودية، تحضيراً وتنظيماً واهتماماً دولياً، مما يعكس نفوذاً مؤثراً وفاعلاً للرياض على الساحتين الإقليمية والدولية. قمة جدة تبشر بحقبةٍ سعوديةٍ فاعلةٍ بقوة، لخدمة قضايا العرب.. والذود عن أمنهم القومي.

قد يرى البعض أن حضور سوريا لهذه القمة هو الحدث الأبرز فيها. سوريا الدولة العضو المؤسس لجامعة الدول العربية، لم تكن يوماً خارج منظومة النظام العربي، بشقيه الشعبي والرسمي، لكن حدثت تطورات سلبية في سوريا، كادت تُذهب بالدولة، إن لم تكن قد أذهبتها.. ومازالت مسبباتها وتبعاتها وأطلالها ماثلة.


مازال نصف الشعب السوري إما خارج بلده أو أعيد توطينه قسراً كلاجئ داخل القطر العربي السوري، واُستبدل بشعوبٍ من خارج سوريا والمنطقة. كما تركت الحرب ما يزيد على ٨٠٪ من المدن والحواضر والقرى السورية مدمرٌة. كذلك الوجود الأجنبي المكثف في حاضرة الأمويين، ساهم بشكلٍ كبيرٍ في الكوارث التي لحقت بسوريا وتظل تعانيها. ولا ننسى حقيقة أن إيران، استبقت قمة جدة بتوقيع أكثر من ٦٠ اتفاقية مع دمشق، عندما زار الرئيس الإيراني دمشق في ٣ مايو.

دون تفعيل إجراءات عملية ومخلصة لضمان عودة آمنة وكريمة للسوريين، في الداخل والخارج، لدُورِهِم التي أُخرجوا منها قسراً، من خلال تسوية سياسية ومصالحة وطنية شاملة.. ومحاسبة من تسبب في مأساة السوريين وتعويضهم التعويض الملائم.. وتسوية التواجد الأجنبي في سوريا، يظل الوضع القائم في سوريا خطراً ناجزاً ووشيكاً على الأمن القومي العربي.

يبقى الحدث الأبرز، الذي يكاد أن يُفْقَدَ ذكره في مؤسسات النظام العربي الرسمية، بل ويتسابق بعض أعضاء الجامعة تجاهله، وأحياناً تجاوزه بما يرقى لمستوى إخلالهم بالتزاماتهم القومية وتحديهم لإرادة شعوبهم، ألا وهو تطور إعادة تأكيد مركزية القضية الفلسطينية ومكانتها القومية الرفيعة في النظام العربي. أهم مبررات قيام جامعة الدول العربية، وحتى قبل صياغة ميثاقها إيذاناً بقيامها، توقيع الأعضاء المؤسسين بروتوكول الإسكندرية ( ٧ أكتوبر ١٩٤٤ )، لمواجهة الخطر الإستراتيجي الماثلة نُذر مؤشراته بتدفق الصهاينة، تفعيلاً لوعد بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.

عندما يأتي هذا التأكيد على محورية القضية الفلسطينية في قمة جدة على لسان ولي العهد السعودي وبلاده الدولة المضيفة للقمة، فإن هذا ليس تكراراً لصيغة بيانات اعتاد العرب سماعها من القمم العربية، بل هو التزام من قبل العرب جميعاً، بمن فيهم أولئك الذين اعترفوا بإسرائيل وبعضهم من تجاوز بالمبادرة للتطبيع معها. لقد وصل الأمر بقضية الشعب الفلسطيني أن يدعو رئيس السلطة الفلسطينية العالم، من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، في ذكرى النكبة ( ١٥ مايو )، لحماية الفلسطينيين من الإسرائيليين، على الأقل باعتبارهم بشراً.. أم أهم، كما قال متسائلاً: أقل شأناً من مخلوقات الله الأخرى، التي يحمونها!

ملك المملكة العربية السعودية، عندما يؤكد على محورية القضية الفلسطينية في الكلمة التي ألقاها سمو ولي العهد ويضعها في قمة جدول أعمال القمة، فإن ذلك تطورٌ إيجابيٌ كبير، كفيلٌ بأن يوقف عجلة الاتصال بإسرائيل والهرولة للتطبيع معها، قبل تنفيذ كامل بنود المبادرة العربية، التي أقرتها قمة بيروت العربية ٢٠٠٢، التي هي في الأساس مبادرة سلام سعودية.

في المرحلة القادمة، سيشهد العالم تفعيلاً على الأرض، لهذا الموقف الثابت المتجدد للمملكة العربية السعودية من قضية الشعب الفلسطيني باتخاذ تدابير على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، لتفعيل قرار العرب في قمة جدة بتأكيد مركزية القضية الفلسطينية. الشعب الفلسطيني ليس له إلا العرب ليحموه ويحملوا لواء قضيته، حتى يحقق تطلعاته الوطنية، بإقامة دولته المستقلة على حدود ما قبل الرابع من يونيو ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، كما جاء في كلمة سمو ولي العهد بالقمة. إعلان جدة ما هو إلا تدشينٌ للحقبة السعودية، لقيادة الأمة العربية إلى العزة والتقدم والسلام.

نصرةُ القضيةِ الفلسطينية من أهم معالمِ الحقبةِ السعودية.