-A +A
سلمان الشريدة
كوارث وأزمات وصراعات دولية تتفجر بين الحين والحين، وعلى الرغم من التباينات في أشكالها إلا أن الموقف السعودي السياسي المتوازن وكذلك الإنساني السخي لا يختلف ولا يتراجع، المملكة اليوم أصبحت لاعباً إستراتيجياً مهماً في المنطقة وعلى الساحة العالمية ودولة مؤثرة ليس فقط بقيادتها الدولية على مستوى ملف الطاقة العالمي، بل على كافة الملفات والمستويات ولاسيما في صناعة الأمن والاستقرار، وإذا ما تحدثنا عن الملف السوداني الذي يتصدر اليوم المشهد السياسي، فهي تعمل على مساريين مهمين؛ الأول المسار السياسي والتواصل مع الأطراف والمكونات السودانية بالتنسيق مع الجامعة العربية للمساهمة في تخفيف حدة التوتر والتصعيد ووقف إطلاق النار للوصول لتسوية سياسية يتم من خلالها حل كافة الخلافات والمسببات لهذا الصراع والعمل على استقرار السودان وشعبه، وهو تطبيق للوثيقة التي قدمتها المملكة العربية السعودية لجامعة الدول العربية 2018م والتي تتعلق بالأمن القومي العربي، والمسار الثاني هو العمل الإنساني كما هو معهود منها على الأقل خلال الثلاثة أعوام الماضية وماقدمته لشعبها ورعاياها في الخارج خلال جائحة كورونا وموقفها العالمي خلال ترؤسها لمجموعة العشرين في ذلك العام، حيث طلبت تضافر الجهود الدولية لمواجهته من خلال تقديم دعم سخي انطلق من شعرها «الإنسان أولاً»، وأيضاً ما قدمت من جهود إنسانية خلال الصراع الروسي الأوكراني سواء في الدعم الإغاثي أو من خلال وساطتها في عمليات تبادل الأسرى، ولا ننسى كون السعودية من أوائل الدول التي هبت لدعم المنكوبين والمتضررين إغاثياً وإنسانياً خلال زلزال تركيا وسوريا، وهذه الأيام نتابع إجلاءها لرعاياها ورعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان، فمواقف الرياض أثبتت أنها لا تقاس بأي دور دولي، ودورها الريادي في أعمالها الإنسانية والدبلوماسية واضحة عالمياً حسب تقارير المنظمات الأممية المتخصصة في هذا الجانب، فقد تخطت جهودها جهود الأمم المتحدة التي نراها ضبابية في المشهد السوداني اليوم.

الرياض دائماً تستثمر أدواتها في الجوانب الإنسانية، ومما لا شك فيه أن القيادة السعودية في كافة الظروف تضع شعبها في الأولوية في جميع الجوانب، وفي المقابل لا تدخر جهداً ولا تتردد في أي عمل إنساني مع أي فرد أو دولة بصرف النظر عن الدين والمذهب والعرق واللون، وبالطبع هذه المبادئ تنطلق من منطلق عروبي أصيل وديني إسلامي حنيف يدعوها للسلام في كل الظروف قولاً وفعلاً وهذا ما يميزها دولياً.


عملية الإجلاء السعودي الأكبر في التاريخ لرعاياها وللعديد من رعايا الدول الشقيقة والصديقة من السودان في هذه الظروف الحرجة وبالشكل الذي تابعناه خلال الأيام الماضية، هو عمل ليس بالسهل والجهود المبذولة جبارة خصوصاً في التنسيق الدبلوماسي وكذلك الأمني والجاهزية العالية، وهذا ما عجزت عنه دول كبرى والذي دعاها بأن تتقدم بطلب للمملكة لإجلاء رعاياها، ومن اللافت اتفاق عدد من الدبلوماسيين الدوليين في حساباتهم عبر منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك مختلف وسائل الإعلام الدولية تحدثوا وتناقلوا عمليات الإجلاء السعودية بانبهار وبإشادة كبيرة، لما قامت به الجهود السعودية التي لم تقتصر على عمليات الإجلاء فحسب، بل بتسخير كافة الإمكانيات للرعايا الذين ينتمون لأكثر من 65 دولة وتقديم جميع الخدمات لهم وعلى رأسها الخدمات الصحية والغذائية في ظل أن هناك دولا أوروبية كبرى كبريطانيا اعتذرت عن إجلاء أي فرد من السودان باستثناء من يحمل الجواز البريطاني.

أعتقد أن هذه العملية تعد نجاحاً تاريخياً للدبلوماسية السعودية في استثمار علاقاتها الجيدة مع كلا طرفي النزاع وحرصهما على تقدير مواقف السعودية الداعمة دائماً للسودان وشعبها وخصوصاً في الفترة مابعد 2019م بعد عزل البشير، وبالإضافة إلى تقديرهم لموقفها الإنساني الكبير في الأزمة والخالي من أجندة والذي جاء إنفاذا لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين ومتابعة من سمو ولي العهد وبإشراف مباشر من سمو وزير الدفاع رئيس اللجنة العليا لعمليات الإجلاء من الأراضي السودانية.