-A +A
رامي الخليفة العلي
بشق الأنفس نجت حكومة السيدة إليزابيت بورن من تصويت سحب الثقة الذي شهدته الجمعية الوطنية الفرنسية مساء الإثنين لتفتح فصلاً جديداً من الأزمة السياسية التي تعيشها العاصمة الفرنسية على وقع إقرار قانون رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً. هذا القانون الجدلي الذي فشل الرؤساء الفرنسيون بالاقتراب منه أو محاولة تعديله منذ عهد الرئيس ميتران، ولم ينجح سوى الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي نجح في رفع السن من 60 إلى 62 عاماً، ولكنه دفع الثمن بفشله في الانتخابات الرئاسية أمام المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند. الرئيس ماكرون وضع ثقله السياسي كله خلف هذا القانون ومع ذلك فشل في إقناع الرأي العام ورفض استقبال ممثلي النقابات العمالية لإقناعها بضرورة هذا القانون، وأخيراً فشل في إقناع البرلمان الفرنسي، فاضطر إلى استخدام مادة دستورية هي 49.3 التي تتيح له إصدار القوانين بدون الرجوع إلى البرلمان. ولكن الغالبية العظمى من الفرنسيين اعتبر أن الرئيس إنما استخدم القوة ووضع الجميع تحت الأمر الواقع، وهذه المادة التي وضعت في الجمهورية الخامسة إنما أراد المشرع منها تمرير بعض القوانين الضرورية عندما يحدث هناك استعصاء سياسي وبالتالي استخدامها يتم في أضيق الحدود، ولكن ماكرون توسع باستخدامها لدرجة حسمها للجدل لصالح الرئيس في قانون اجتماعي يمس كافة الفرنسيين.

استخدام الرئيس الفرنسي للمادة 49.3 جعل المعادلة بينه وبين المعارضين للقانون هي معادلة صفرية ومن الصعب أن يخرج أي طرف بنتيجة لا غالب ولا مغلوب، وبما أن المؤسسات الفرنسية فشلت أن تكون حكماً يلوذ به من يشعر بالظلم، فالصوت الوحيد المتاح أمام النقابات واليسار الفرنسي وهو الشارع وهذا ما وعد به زعيم تجمع أقصى اليسار جاك ميلانشون عندما دعا إلى إسقاط الحكومة في الشارع. هناك وسيلتان ما تزالان متاحتين ولكن من المستبعد أن تؤديا إلى نتيجة ترضي المعارضين للقانون؛ الأولى هي المحكمة الدستورية العليا التي تنظر عادة في دستورية القوانين، وهذه تحتاج إلى شهر من أجل أن تصدر حكمها ومن المستبعد أن تبطل القانون، أما الثانية فهي الاستفتاء العام ولكن الإجراءات تحتاج إلى عام من إجل تطبيقه بعد ذلك موافقة الرئيس وعند ذلك يصبح القانون سارياً منذ عام ومن غير القانوني إسقاطه بعد هذه المدة. إذا نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن تتعمق الحركة الاحتجاجية وتزيد الإضرابات، وتشمل قطاعات حيوية، وهذا بالفعل بدأ يحدث حيث أصبحت العاصمة الفرنسية مليئة بالقمامة بسبب إضراب عمال النظافة، ويمكن أن ينضم إليهم عمال النقل سواء البري أو الجوي، وكذلك الطلبة والمعلمون وغيرها من القطاعات، أو الخيار الثاني أن تخفت هذه الحركة الاحتجاجية مع مرور الوقت وتفقد الزخم الشعبي وهذا ما يراهن عليه الرئيس ماكرون. المؤكد أن التوتر الموجود في الشارع الفرنسي يؤدي إلى ظهور المتطرفين من أقصى اليمين وأقصى اليسار وهؤلاء يعمدون إلى الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة، وقد باتوا جزءاً من المشهد الفرنسي اليومي.


فرنسا تدخل مرحلة من الأزمة السياسية التي تقترب من حالة الفوضى، وهذا يجعل الرئيس الفرنسي فيما بقي له من فترة رئاسية كالبطة العرجاء إذا استعرنا التعبير الأمريكي ولكن بنكهة فرنسية حادة.