-A +A
أسامة يماني
السفر إلى أمريكا للدراسة أو للسياحة أو العيش أو العمل فيها أو العلاج وغير ذلك من أسباب إنسانية، تجربة ممتعة. لقد عشت -شَخْصِيّاً- فترة من الزمن في الولايات المتحدة الأمريكية. كانت لي علاقات إنسانية جميلة مع من قابلتهم في الدراسة أو في السكن وغيره. كانت تجربة مليئة بالانطباعات الحسنة والأوقات الجميلة، مما جعلني أحرص فيما بعد على السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لقضاء بعض الوقت على الرغم من بعد المسافة.

شعب الولايات المتحدة الأمريكية مكون من أعراق متعددة، ذو ثقافة غربية مشتركة مستمدة من تقاليد المهاجرين الأوروبية، كما تتأثر بخليط من ثقافة المكسيك والثقافة الأفريقية. وتشمل الثقافة الأمريكية التقاليد والقيم؛ مثل الخصوصية والمباشرة والمساواة والاستهلاك والوقت والكفاءة وغيرها من قيم، والفنون والفولكلور والأفكار السائدة والمهاجرة التي تطورت محليًّا.


لا شك أن الولايات المتحدة الأمريكية كيان حضاري عظيم بما يحتويه من مؤسسات مدنية واجتماعية وصناعية وخيرية وتعليمية وعسكرية وعلمية وفضائية. هذا الكيان الذي بلغ أوجهاً من التطور والازدهار والرقي يشمل في طياته مسببات انحساره وأفول إشعاعه وفقدان قيادة العالم، وانتهاء دور شرطي العالم.

إن الحضارات دائماً تقوم على فكرة وعلى أخلاق. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية على فكرة وحدة المصير المشترك؛ التي تستند على الأبعاد الثلاثة من الحقوق الدستورية للحريات الديمقراطية: الحقوق الأساسية، وحق الناس في التعبير عن رأيهم، وحق الدولة في تطبيق النظام والقانون وحق مواطنيها في الحرية والعدالة والفرصة لمتابعة الحلم الأمريكي، والحفاظ على مجتمع آمن يمكن فيه لكل مواطن التمتع بحرية التعبير والدين والحق في السعي لتحقيق السعادة.

إن الولايات المتحدة الأمريكية رغم الفكرة التي قامت عليها والأخلاق التي تنادي بها، إلا أنها قامت على العدوان والظلم والاستبداد وعدم الرحمة لأهل وسكان أمريكا الشمالية الأصليين ومن هو خارج أمريكا، حيث قامت بالقضاء على الهنود الحمر وأبادتهم بنشر الأمراض ومصادرة أراضيهم وموارد رزقهم وقتلهم وتشريدهم. آفة العدوان والبغي والاعتداء وعدم الوفاء بالعهود والعقود مع الآخر، إحدى الركائز في السياسة الأمريكية إذا لم تخدم مصالح أمريكا الخارجية. هذا هو ديدن وسياسة أمريكا عبر تأريخها مع البلدان أو المنافس وخلافه.

الرأسمالية المتوحشة الأمريكية التي زادتها بلاءً الليبرالية الجديدة التي تسعى أمريكا إلى نشرها خارج أمريكا سواء باستخدام المعونات أو بالعقوبات الاقتصادية، ومن خلال مكينتها الإعلامية، وبالتدخل العسكري كما فعلت في العراق أو بالتفوق التكنولوجي والحصار الاقتصادي مستندة إلى قوة المنظمات النقدية والمالية التابعة لها (خاصة صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى) وبالسيطرة الأمريكية، والأوروبية من بعدها، على أدوات التداول النقدى، أو ما يطلق عليه البعض مسمى الإمبريالية النقدية للدولار، وكذلك من خلال التحكم فى أسواق المال والسندات والديون، واحتكار قمم التكنولوجيا العليا، على أيدى الشركات العملاقة عابرة الجنسيات التابعة لها، في مختلف القطاعات التكنولوجية المتقدمة، الأمر الذي يؤدي أن لا تصبح أمريكا المحرك العالمي سواءً اقتصاديّاً أو عسكريّاً.

العالم لا يمكن أن تسوده فكرة واحدة وقوة واحدة، دون أن تكون تلك القوة قائمة على العدل لحفظ أمنه واستقراره.