-A +A
عقل العقل
أعلنت هيئة الرقابة ومكافحة الفساد قبل أيام أنها باشرت عدداً من القضايا الجنائية جارٍ استكمال الإجراءات النظامية بحق مرتكبيها، موضوع هذه المقالة حول القضية الأولي التي تخص إيقاف طبيبين استشاريين لقيامهما خلال فترة عملهما بإعداد تقارير طبية تتضمن إجراءهما 18953 عملية جراحية لم يقوما بها ومطالبة المستشفيات التي يعملون فيها بمبلغ 87 مليون ريال، جراء تلك العمليات ودفعهما مبالغ مالية لأطباء غير مصرح لهم بإجراء تلك العمليات نيابة عنهم.

في الأعم يتمتع الأطباء في أغلب المجتمعات بمصداقية عالية، ومجتمعنا لا يشذ عن ذلك، بل إن درجة هذه المصداقية مرتفعة إذا كنا نتعاطى مع الطبيب الوطني سواء من حيث المستوى العلمي للغالبية منهم أو من حيث مصداقيتهم في أفضل وأنجع طرق العلاج عكس بعض الأطباء القادمين من الخارج من بعض الدول العربية والمجاورة الذين يعالجون المريض وعيونهم مركزة على جيوبه للأسف يثقلون على المريض بأشعة وتحاليل قد لا يحتاجها المريض ويتردد أن بعض المستوصفات والمستشفيات تطلب منهم مبالغ مرتفعة يجب أن يحققوها في اليوم أو الشهر.


خبر الطبيبين الاستشاريين يضرب هذه المصداقية للطبيب ويتطلب على كل مريض وخاصة إذا تطلب الوضع عملية جراحية أن يفتح عيونه جيداً ويتأكد مليون مرة من أن من سوف يقوم بالجراحة هو الدكتور المعني الذي قابله وقرر له العملية، ويتأكد أنه لن يتعرض للتغير والخداع في آخر لحظة إن كان يستطيع قبل أن يخدر ولا يعرف على وجه الدقة من قام بإجراء عمليته الجراحية. المصيبة في موضوع فساد الأطباء أعلاه أنها ليست أعداداً قليلة من العمليات بل إنها عشرات الآلاف منها، ويعني أن هناك الآلاف من المرضى خدعوا وكانوا يعتقدون أن ذاك الجراح البارع كان يفترض أن يجري عملياتهم، ولكن أطباء آخرين هم من قاموا بإجراء العمليات نيابة عن هؤلاء الاستشاريين الذين سمحت ضمائرهم بأن تكون العمليات رسمياً بأسمائهم ومن يقوم بها غيرهم لا نعرف مستواهم وهل لديهم الرخص والشهادات الطبية المطلوبة لإجراء هذه العمليات، إنها عملية تستر طبي واضحة المعالم، وهذه بالفعل جديدة ومبتكرة، ومن بحاجتهم أنهم يطالبون تلك المستشفيات التي يبدو أنهم خدعوها بأجور عمليات لم يقوموا هم فعلياً بإجرائها. أتمنى أن يشهر بمثل هؤلاء في حال تمت محاكمتهم ونشر حيثيات هذه القضية أولاً لتكون رادعاً لغيرهم من أطباء الباطن وثانياً لنشر الوعي بالمجتمع حول خفايا هذا العالم وأن الثقة بين المريض والطبيب نقطة مهمة في طريق العلاج والشفاء، ولكن هذا لا يعني ثقة عمياء تجعل المريض يحجم عن طرح أسئلة ضرورية ومهمة في هذه العلاقة ولا تنقص من احترامه لطبيبه المعالج.

من متابعة هذه القضية الغريبة والنادرة من حيث تخصص مجالها، تعطي دلالة أن المادة للأسف أصبحت الهم الأكبر للبعض في مهنهم من الطبيب إلى صاحب الورشة؛ لذا علينا البحث عن أكثر من رأي في حالة المرض والعلاج المطروح من أول طبيب، فبعضهم تكون العملية هي الخيار الأول من الطبيب الأول وعند الذهاب للطبيب الآخر ينسف تشخيص الآخر ويكون العلاج بسيطاً والحالة لا تحتاج عملية جراحية ويا كثر من نسمع من هذه القصص التي يرددها الناس كل يوم، يجب على الجهات الرقابية في المجال الصحي معرفة الأسباب التي تدفع البعض من الأطباء لهذه القرارات الكوارثية والانزلاق في عالم الفساد، أهي من باب الجشع والكسب المادي السريع أو ضعف في الرواتب والمحفزات المادية لهم؟