-A +A
رامي الخليفة العلي
بدأت تركيا عملية عسكرية في شمال سوريا استهدفت قوات سوريا الديمقراطية، كرد على الهجوم الذي تم في وسط مدينة إسطنبول وأدى إلى سقوط ضحايا مدنيين. حتى الآن الهجوم التركي اقتصر على القصف الجوي والمدفعي، وأدى بحسب السلطات التركية إلى سقوط عشرات القتلى في صفوف قسد (قوات سوريا الديمقراطية). تركيا لم تخفِ يوماً رغبتها بالقيام بعملية عسكرية تحتل من خلالها شريطاً محاذياً لحدودها مع سوريا، وقد أعلنت عن هذه الرغبة منذ العام 2012، ولكن على الدوام كان هناك معارضة من قبل الأطراف المتداخلة في الشأن السوري (الولايات المتحدة وروسيا وإيران)، الاستراتيجية التركية بقيت كما هي ولكن التكتيك تغير، فبدل القيام بعملية عسكرية واحدة عمدت تركيا إلى القيام بعمليات عسكرية متوالية، فقد أرادت في البداية إيجاد موطئ قدم، وهذا ما حدث في عملية غصن الزيتون، عندما سيطرت على أقصى شمال غرب سوريا وتحديداً منطقة عفرين. عندما توسعت سيطرة قوات قسد على منطقة الجزيرة السورية أطلقت تركيا عملية نبع السلام وأوجدت لها موطئ قدم استراتيجياً آخر شرق نهر الفرات وتحديداً عند مدينة رأس العين.

الهدف الاستراتيجي لم يتغير طوال السنوات العشر الماضية وهو إنشاء منطقة تابعة لتركيا في شمال سوريا تحقق أهدافاً عدة، أولها تمنع قيام كيان كردي في شمال سوريا ومنع التواصل بين أكراد سوريا وأكراد تركيا، وأن تكون المنطقة الآمنة مكاناً لعودة عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين في تركيا، مما سيؤدي إلى تغيير ديمغرافي تخفف من وطأة القلق التركي من المشروع الكردي. الأطراف المؤثرة في الوضع السوري ما تزال ترفض العملية العسكرية البرية التركية ولكن الرئيس التركي أردوغان قرأ أن هناك تغييراً يمكن أن يسمح بمثل هذه العملية، فالنظام السوري لم يبدِ الكثير من المعارضة؛ لأنه يرى أن هذه العملية تخفيف للقبضة الأمريكية وإضعاف للكيان الكردي وهو غير قادر على مواجهته في هذا التوقيت. إيران ترى أن هذه العملية لو تمت فهي في مصلحتها؛ لأنها تواجه الأكراد والذين هم جزء أساسي من الاحتجاجات التي شهدتها على امتداد الأسابيع الماضية، بل إنها عمدت إلى مواجهة التنظيمات السياسية الكردية الإيرانية في شمال العراق. روسيا، وإن أعلنت معارضتها، فهي لن تستطيع أن تفعل الكثير فهي تعتمد على تركيا في ظل الحرب الأوكرانية، فأنقرة باتت تمثل الرئة التي يتنفس منها الاقتصاد الروسي. أما الولايات المتحدة فلن تخاطر بمواجهة مع تركيا وهي بحاجة لها في ملفات متعددة وعلى رأسها الملف الروسي. هذا هو الفهم التركي للمواقف الدولية وهذه الأطراف على وجه التحديد، ولكن هذا الفهم لا يعني بالضرورة أنه دقيق وأنه مطابق للواقع. الولايات المتحدة وروسيا يتفقان على معارضة العملية العسكرية بالرغم من الأسباب الوجيهة التي تدعوهما لعدم مواجهة أردوغان، فهما يريان أن التجربة الكردية في شمال سوريا لم تستنفد أغراضها. إذاً كيف يمكن الوصول إلى حل وسط يستجيب لبعض المطالب التركية دون أن يقضي على التجربة الكردية؟ الحل يكمن في عملية عسكرية برية محدودة توسع مناطق سيطرة تركيا ولكنها لا تقضي على قوات سوريا الديمقراطية، وبالتالي يحقق أردوغان مكاسب انتخابية ويبقى الوضع القائم كما تريده واشنطن وموسكو. هذا هو السيناريو المرجح وتبقى الكلمة الفصل في المفاوضات الجارية بالفعل تحت الطاولة بين واشنطن وأنقرة.