-A +A
هيلة المشوح
من يميل للمسلسلات ذات النصوص التي تحمل بعداً فلسفياً، حتماً سوف يجد نفسه منجذباً لهذا المسلسل المتميز في فكرته والقوي في كوادره وإخراجه وضخامة إنتاجه، والأهم هو عمق رسالته، أما من يستعجل النتائج ويعشق النصوص الواضحة والمفرطة في «واقعيتها» فلا أنصحه مطلقاً بمشاهدته.

لن أتناول الفكرة الأساسية للمسلسل، ليس من باب التشويق، بل لأن الحديث عن مجمل الفكرة هو حرقها تماماً، عدا البداية المختصرة لأحداث غامضة تغير مسار سفينة تحمل مهاجرين من مختلف الجنسيات والأعراق واللغات، تتجه بهم من القارة العجوز (أوروبا) إلى العالم الجديد «نيويورك»، وذلك في عام 1899، حينذاك يجد ركابها أنفسهم أمام غموض رهيب ولغز محير في عرض البحر يحاولون أن يجدوا له إجابة، وهنا أطرح ما يلامسنا في هذه «الحدوتة» الغامضة من خلال نظرية أفلاطونية مهمة يغفل عنها العقل البشري أحياناً، وهي أن الانغلاق على الذات هو بالضرورة جهل بما يدور خارجها، فمثلاً تصورات مجموعة من الناس للحياة حولهم (بكل مظاهرها) لن تتجاوز ما زرع داخل عقولهم من أفكار وتجارب وتجسيد لأطياف ليس بالضرورة أن تكون حقيقية، وبالتالي فالنتيجة هي رفض تام للاندماج بما يخالف معتقداتهم وتصوراتهم الموهومة التي نشأوا عليها، والاكتفاء بتلك التعبئة من الأفكار والتجارب التي لم يخوضوا غمارها ولم تمر عليهم تجربة واحدة منها، بل وربما لم تمر بمن زرعها في أذهانهم ولكنهم ملزمون بالإيمان بها لأسباب عقدية أو عاطفية.. إلخ، وأسطورة كهف أفلاطون هي فلسفة يونانية لمفهوم الحقيقة وتنص ببساطة على أن ما يراه البعض لا يعكس بالضرورة الحقيقة، حيث إنه من الممكن أن ما نراه هو الظل الناتج عن شعلة تتحرك أمامها خيالات جامدة، ولكننا نجهل أنها خيالات خلفها من يحركها في الأذهان لأن هذه هي الحقيقة الوحيدة التي نراها، فنحن مقيدون بها وغير قادرين على رؤية ما عداها، وهذه الفلسفة باختصار شديد تكمن في الصراع المستمر بين (الجهل والمعرفة)، وهو صراع قائم في مجتمعاتنا العربية حتى اللحظة.


شخصياً أتوق للأعمال الفنية التي تعصف بالعقل نقداً وتفكيكاً، كذلك أتعلق كثيراً بالأعمال التي تحمل رسائل إنسانية أو حتى رسالة معقدة الفهم، تبحر بنا في محيط متلاطم مليء بالاستنباطات والعبر، أو تلك الفانتازيا ذات الأفكارالبعيدة عن الواقع والقريبة من خيالاتنا الخصبة كمسلسل «واكينق ديد»، الذي حصد زخماً عالمياً كبيراً بمشاهداته وتعدد أجزائه، والذي يعد من أكثر الأعمال الفنية بعداً عن الواقع وأكثرها جذباً حد الإغراق في عالم اللاواقع والتصورات المرعبة لتكوين النفس البشرية ونقطة التقاء الإنسان بذاته العميقة المخيفة في لحظات الخوف وحافة الفناء أو حتى الجوع، ويكفي أن يوقظ العمل - أي عمل - داخلنا سؤالاً واحداً: (ماذا لو؟)!