-A +A
فواز الشريف
وسط مجتمع يتنابز بمؤسسي الأندية والحركة الرياضية ويتنكر للبدايات، لا يمكن لك أن تسلخ منه تاريخه وتكتبه رقماً جامداً، وإذا اعتمدت الإحصاء مادة توثيق وأرشفة فأنت تسلب من التاريخ الرياضي روحه وشواهده ومتاحفه ومرتكزاته الرئيسية كإرث رياضي بالمُجمل يمثِّل قيمة مجتمعية ومقامه التاريخي.

هنا سأكتب بلغة قد تكون معقدة نوعاً ما لأنها في مواجهة صوت عالٍ ومدعوم بالأكثرية وموجات التمهيد قد لا يلتفت إليها أحد، لكنها لغة دارجة ويمكن التفاهم معها وفك شفرتها وبالذات لمن يمتلك عقلية التفكير الناقد من مسؤول أو متابع أو مراقب فنعتمد الموضوعية في الطرح، لأن الحديث عن الأمور الجدلية أو المسلمات المجتمعية يجعلك في نظر البعض ربما طرفاً غير محايد.


لم أكن أسعى لمرة واحدة لخوض حديث ما حول تاريخ البطولات السعودية ومكتسبات الأندية، ليس لأنني غير مهتم بها، ولكني وجدت نقاشها وحتى الجانب العلمي منه يرتكز على أرضية هشة تتلون بالميول والحشد الجماهيري المكثف والضرب في المليان، وذاك لعمري خطيئة اتحاد اللعبة والجهة المعنية الأعلى التي يتبعها الاتحاد والجهة الرسمية المشرعة والمراقبة؛ وهي وزارة الرياضة، التي تمتلك الأرشيف الكامل للرياضة السعودية منذ بدايتها مع وزارة الداخلية ورعاية الشباب في الشؤون الاجتماعية ووزارة المعارف وغيرها من الوزارات وتحت عدد من اللجان حتى أصبحت الآن وزارة الرياضة، وتم تناقل الأوراق والأرشفة وربما تمت أتمتتها بشكل كامل وموجودة وقابلة للطرح والنقاش والمداولة.

إن الحديث عن الأرشيف أراه من وجهة نظري ليس حديثاً إحصائياً بحتاً حتى إن كان دعاة الإحصاء والأرشفة هم الأكثرية، وليس ذنبهم في ذلك، بل فواصل الفلسفة الأدبية والعلمية ونقل السرد في تراثنا بطريقة معتادة حتى أضحت عادة أثرت عليهم بشكل مبالغ فيه وجعلت من السطحية الظاهرة البينة المادة الوحيدة التي يمكن تناقلها والخوض فيها وتدوين أرقامها، في حين التاريخ والأرقام والأرشيف تمثل إرثاً ثقافياً رياضياً ومجتمعياً أبعد من مجرد رقم أو ترجيح كفة على أخرى، فمثلاً وزارة الثقافة تم تأسيسها مؤخراً فهل تعتقد أن الثقافة في المملكة لم تبدأ إلا مع بدايتها؟ لا أعتقد، وكذلك الحال حين نتحدث عن الرياضة مثلاً؛ التي انطلقت منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز (طيب الله ثراه)، وليس من العدل والإنصاف لتاريخ الوطن الرياضي أن نجعل بداياته بعد بدايات بعض الدول، ليس لشيء سوى أن بهرجة اتحاد القدم بدأت مع ذلك التاريخ، وذاك مضيعة للأجيال وهدر للآمال، فكأس جول ريميه الذي عقد بالترشيح وتقبيل الأيادي هو ذاته كأس العالم بكل المنتخبات، فالتاريخ ليس فلاشاً أو كشافاً أو ألواناً بقدر ما هو تراث تعتمد قيمته على عمقه وبعده وبدايته حتى أن أغلى تحفة هي ما كانت أندر وأقدم.

قد يرى البعض أن من حق اتحاد القدم حصر بطولاته مع بداياته، لكن ذلك لا يمنع المؤسسة الرياضية من تقديم بطولاتها المؤرشفة منذ أول قرار صدر بشكل رسمي حتى يومنا هذا، وأن أي إعلان عن توثيق البطولات لا يتسع للأبعاد الثلاثة؛ وهي الإرث والعمق والرقم، أعتقده تاريخاً مسلوباً من أقاصيص الزمان، ومنقوصاً من قيمته.