-A +A
بشرى فيصل السباعي
باستمرار نطالع في مواقع التواصل والمواقع الإخبارية نداءات للبحث عن مفقودين يعانون من أمراض عقلية ونفسية أو من الإدمان أو أمراض الدماغ الانحلالية؛ كالزهايمر وما شابه من حالات مرضية تؤدي لخلل في الذاكرة والوعي، وهذه الفئات وحتى إن لم يتعرض لها أحد بالأذى كثيراً ما يعثر عليهم متوفين؛ لأنهم لا يميزون الأخطار التي في الشوارع، ولا يميزون حاجاتهم الجسدية، فيموتون من الجفاف ونقص التغذية، ناهيك عن تعرض الصغار للاختطاف والاعتداءات أو قيام المصابين بأمراض عقلية أو بالإدمان بالحاق الأذى بأنفسهم وبالآخرين؛ لذا هناك حاجة لإجراء وقائي يمنع وقوع مثل هذه المآسي ويوفر الميزانيات التي تصرف في البحث عن هذه الفئات عند ضياعها المتكرر؛ ويتمثل في صرف المستشفيات جهازاً لتتبع الموقع الجغرافي مجاناً لهذا الفئات، وجعله إلزامياً على كل الفئات المفتقرة للتمييز العقلي، وهو جهاز بسيط رخيص يتوفر بالأسواق أو يمكن شراؤه عبر الإنترنت ويتوفر بأشكال عدة؛ منها ما يكون على هيئة ساعة أو أسورة أو قلادة، أو مثل مشبك يوضع على الملابس ويتضمن جهاز «جي بي إس - GPS» لتحديد المواقع، وبهذا يمكن تتبع مكان الشخص إن ضاع أو فقد أثره، وكثير من الأهل يقومون بإجراء يعتبر لا إنسانياً ومن قبيل سوء المعاملة لقريبهم الذي يعاني من فقد التمييز العقلي لأي سبب؛ وهو تقييده أو ربطه طوال الوقت خوفاً من خروجه للشارع دون علمهم وضياعه أو يحبسونه في غرفة ويقفلون عليه، وهذا يؤثر سلباً على المريض ويضاعف معاناته، وطالما سيكون ممكناً تتبع موقع الشخص طوال الوقت فلا حاجة لتقييده، وبعضها مزود بمميزات إضافية هامة يمكن أن تنقذ حياة حتى الطفل الطبيعي مثل زر الطوارئ الذي يمكن أن يضغطه الطفل أو الشخص إن شعر بالخطر، وسيرسل تنبيهاً للأهل مباشرة مع بيانات موقعه، وبعضها فيه أيضاً ميزة تنبيه الأهل عند التعرض للغمر بالماء لأكثر من فترة معينة لتنبيه الأهل أن الطفل يتعرض للغرق للمسارعة بإنقاذه، كما يمكن استعمالها لعموم الناس حسب الحاجة في الأماكن التي يكثر فيها ضياع الناس عن جماعتهم مع عدم امتلاكهم أجهزة الجوال أو فقده؛ مثل الحرمين والمشاعر المقدسة في الحج وما شابه، وحصلت حالات عرف فيها الآباء أن أطفالهم تم نسيانهم في باص المدرسة وتم إنقاذهم قبل أن يموتوا بسبب شدة الحرارة عبر تنبههم لموقعه، وأيضاً هي مناسبة للصغار الجانحين الذي يهربون من المدرسة فهناك أجهزة تتبع تطلق إنذاراً لدى الطرف الآخر إن تجاوز الصغير مدى مسافة معينة، ومن لديهم العادة غير الحميدة لإرسال الطفل لوحده ليشتري من البقالة أو لرمي النفايات أو تركه يذهب مشياً إلى المدرسة، يجب أن يكون مع الطفل جهاز تتبع حتى إن تعرض للاختطاف يمكن العثور عليه سريعاً، وبعض المستشفيات تضع إسورة تتبع للمواليد؛ منعاً لحصول خلط بين هوياتهم، وأيضاً منعاً لتعرضهم للخطف، وهناك أجهزة تتبع فيها مميزات إضافية لمن يعانون من حالات مرضية معينة مثل أجهزة التتبع المخصصة لرصد علامات إصابة الشخص بتشنجات أو ارتجاف كما في حالة من يعانون من نوبات الصرع ليمكن المسارعة بإسعافهم، وهناك أجهزة تتبع تتضمن خاصية رصد حالة الطوارئ لدى من يعانون من نوبات السكر أو ضغط الدم أو اضطراب نبضات القلب، مع ملاحظة ضرورة التنبيه على أنه من غير الأخلاقي وغير القانوني استخدام أجهزة التتبع لأغراض التجسس على الآخرين وإن كانوا من الأهل، فالإنسان من الجنسين يشعر بالإهانة وعدم الأمان إن اكتشف أنه تم وضع مثل هذا الجهاز في سيارته أو أغراضه لغاية التجسس عليه وتتبع مكانه من قبل أحد من أهله ويصبح لديه وسواس للتفتيش عن أجهزة التجسس، والتجسس بكل أشكاله وأنواعه وأهدافه بالأصل هو محرم شرعاً وكل محرم هناك عقوبة أخروية عليه، وإن لم توجد عقوبة دنيوية عليه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا.. {49/‏‏12}). «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا» البخاري ومسلم. «إنك إن اتبعت عورات الناس؛ -أي: فتشت للتحقق من شأنهم الخاص- أفسدتهم، أو كدت أن تفسدهم» أبو داود وصححه الألباني، وطريق الشك والريبة والتجسس وخاصة باستخدام التكنولوجيا هو منزلق خطير ومظلم ويؤدي للإصابة بالوسواس القهري و«جنون الارتياب -البارانويا» ويفقد الإنسان القدرة على الثقة التلقائية الطبيعية بالآخرين، ولا يعود يشعر بالثقة في أحد إلا بعد أن يتجسس عليه، ومن يجد في نفسه شكوكاً غير مبررة تجاه الآخرين فالتصرف السليم ليس شراء أجهزة التجسس والتتبع، إنما مراجعة طبيب نفسي.